Naqd Kitab Islam Wa Usul Hukm

Muhammad Khidr Husayn d. 1377 AH
41

Naqd Kitab Islam Wa Usul Hukm

نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم

Genre-genre

ومتى صح أن يكون الخروج على الخليفة سببا للبحث عن مبادئ السياسة؛ فقد أريناك وسنريك آية نهوض المسلمين بعلم السياسة وتفوقهم في إدارة شئونها. •••

قال المؤلف في ص24: «فما لهم وقفوا حيارى أمام ذلك العلم وارتدوا دون مباحثه حسيرين؟! ما لهم أهملوا النظر في كتاب الجمهورية لأفلاطون وكتاب السياسة لأرسطو، وهم الذين بلغ من إعجابهم بأرسطو أن لقبوه المعلم الأول؟!»

عني المسلمون من علوم اليونان بالفنون التي كانت غير معروفة لهم، أو كانت بضاعتهم فيها مزجاة، وكانوا يصرفون عنايتهم إلى هذه العلوم على قدر ما يرون لها من فائدة، وعلى حسب ما تمس إليه الحاجة، فأقبلوا على العلوم الرياضية والطبيعية والفلسفة والمنطق بمجامع قلوبهم، وأعطوا جانبا من عنايتهم إلى ما نقل لهم من سياسة أفلاطون وأرسطو، مع علمهم بأن أيديهم مملوءة بمبادئ السياسة الكافية في تدبير مصالح الأمة وصيانة حقوقها على منهج الحرية السامية والعدالة الصادقة.

كانوا يرون أن فيما أضاء لهم من مشكاة الشريعة، أو جرى على ألسنة حكمائهم ما إذا اتسق لذي فطرة سليمة وألمعية مهذبة أصبح سائسا خطيرا، أو مصلحا كبيرا.

ومن نظر في تاريخ عظماء الإسلام ببصيرة لم تفتتن بزخرف المدنية الغربية رأى في سيرتهم العملية، وما يلفظون به من نوابغ الكلم ما يشهد له بأنهم أدركوا في فن السياسة شأوا بعيدا، ولم يكن حظهم منها أقل من حظ دارسي كتابي الجمهورية والسياسة.

ولا أسرد في هذا المقام شيئا من الآيات والأحاديث التي تعد في مبادئ السياسة المثلى؛ فإنها مقروءة بكل لسان، ومشهود لها بالحكمة من كل ذي عقل، وإنما أسوق من أثر أولئك العظماء كلمات أضربها كالمثل؛ ليتبين القارئ ماذا نريد من تلك الكلم النوابغ، وليعرف أن رجالا في الإسلام أحرزوا في السياسة القدح المعلى، ورموا عن قوس لم تكن من صنع أفلاطون ولا أرسطو، فأبعدوا المرمى وأصابوا الغاية.

أريد من تلك الكلم النوابغ أمثال قول عمر بن الخطاب - لما قيل له: إنك تستعين بالرجل الفاجر: «إني لأستعين بالرجل لقوته ثم أكون على قفانه.»

21

وقول أبي سفيان لعثمان - رضي الله عنه - حين هم أن يرد إليه مالا صادره عمر بن الخطاب ووضعه في بيت المال: «لا ترد على من قبلك فيرد عليك من بعدك.» وقول عمر بن عبد العزيز حين قال له ابنه عبد الملك: ما لك لا تنفذ الأمور؟ «لا تعجل يا بني، إني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة فيتركوه جملة وتكون فتنة.» وقول معاوية بن أبي سفيان: «لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت.» قيل: وكيف ذلك؟ قال: «كنت إذا مدوها خليتها، وإذا خلوها مددتها.» وقوله: «إني لا أحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين سلطاننا.» وقوله: «والله لا أحمل السيف على من لا سيف له، وإن لم يكن منكم إلا ما يشتفي به القائل بلسانه؛ فقد جعلت له ذلك دبر أذني وتحت قدمي.» وقول المهلب للحجاج حين كتب إليه يستعجله في حرب الأزارقة: «إن من البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره.»

هذا نموذج من كلماتهم السياسية المقولة على البداهة، ولو أخذنا نملي عليك من أنبائها لأخرجنا بها كتابا قيما، ولو تناولها ذو فكر خصب وقلم مثمر لأنشأ من أصولها فروعا، وأجرى من منابعها أنهارا. وقد كان القوم يقومون على هذه الأصول، ويجمعون إليها علم التاريخ الذي هو الركن الأعظم لإجادة النظر في السياسة؛ ولهذا المعنى كانوا يتحرون في تقليد المناصب من له خبرة واسعة بأنباء الأمم وأيامها الخالية. أرسل عمر بن هبيرة إلى إياس بن معاوية وسأله أسئلة أجابه عنها، ثم قال له: تعرف من أيام العرب شيئا؟ قال: نعم، قال: فهل تعرف من أنباء العجم شيئا؟ قال: أنا بها أعلم، قال: إني أريد أن أستعين بك، ثم قال له: قم قد وليتك.

Halaman tidak diketahui