Napoleon di Mesir
نابوليون بونابارت في مصر
Genre-genre
ولما التقى الجيشان أخذ كل فريق يرقب الآخر، وكان الفرنساويون ينتظرون قدوم عمارتهم التي كانت لم تزل راسية بجوار الرحمانية، ولا تستطيع السير قبل أن تهب رياح الشمال، وهي لا تهب قبل الثامنة صباحا، وأخيرا سطعت الشمس بأشعتها الذهبية على خوذ المماليك وملابسهم، فأظهرت تلك الجنود البديعة في أجلى مظاهرها، ودارت مناوشات بين الفرسان وبعضهم على الطريقة الشرقية أظهر فيها المماليك من البسالة والرشاقة، وخفة الحركات، ما ملأ صدورنا بالإعجاب والإجلال، فكان الفارس منهم، هو وجواده كأنه قط عة واحدة متماسكة، وكأنما كان جواده يشاركه في جميع عواطفه ومؤثراته وحركاته، التي كان يقوم بها من إطلاق غدارته وسل سيفه، وإدارة جواده، بمهارة ورشاقة تفوق الوصف.
ولا نستمر مع نابوليون في أوصافه للحركات الحربية لهذه الواقعة، مما هو فني محض، ونكتفي بالقول بأن المعركة دارت على ثلاثة أدوار الدور الأول هجمة قام بها المماليك ففتحوا بها ثلعة في مربع فرقة الجنرال «رينيه» وأخرى في مربع الجنرال «دوكا» ولكن نيران المدافع، وبنادق المشاة من الخلف، ردتهم على أعقابهم بخسارة كبيرة، والدور الثاني المعركة البحرية في النيل، وذلك أن العمارة الفرنسية تحت قيادةالكولونيل بريه
، وصلت الساعة الأولى بعد الظهر فقابلتها السفن المصرية بنار حامية، وكانت تلك السفن تحت قيادة علي باشا الطرابلسي واحتدمت الحرب بين الفريقين، فخسرت السفن الفرنسية خسارة كبيرة وكادت تدور الدائرة عليها، وهنا يقول نابوليون في مذكراته: «إن «بريه» أنقذ سفنه بحسن تصرفه ومهارته في إدارتها.» ويقول الجبرتي ومن تابعه، نقلا عن أفواه المماليك طبعا: «إن المصادفة هي التي قضت بفوز الفرنساويين؛ ذلك لأن قنبلة من قنابلهم أصابت المركب التي تحمل ذخائر المماليك، فأحرقتها وتطايرت أجزاؤها في الفضاء، فانذعر المماليك وخابت آمالهم.»
وأما الدور الثالث فهو أن نابوليون لما أدرك الخطر المحدق بعمارته في النيل أصدر أمره، بتلك السرعة التي طالما أنقذته من مهالك شتى، للبيادة بالهجوم على شبراخيت وقطع مواصلات الإنكشارية الذين فيها عن المماليك، فشعر أولئك بالخطر فولوا الأدبار بعد مقاومة قليلة، واستمرت المعركة دائرة حتى الساعة السادسة مساء حيث انتهت بوصول الفرنسيين إلى بلدة «شابور»، وتقهقر مراد بك ومن معه إلى القاهرة.
وكانت خسارة الفرنسيين في هذه الواقعة من ثلاثمائة إلى أربعمائة بين قتيل وجريح، وخسر المماليك مثل هذا القدر من الخيالة، بين قتيل وجريح وأسير، ونحو أربعمائة إلى خمسمائة من المشاة، ولقد كانت هذه الواقعة أول درس تلقاه المماليك عن الحرب مع الجيوش النظامية الأوروبية، بعد أن كان يخيل لهم أنهم لا يغلبون، وأن الحرب هي عبارة عن امتطاء صهوة الجواد، وإطلاق القرابينه، وإشهار السيف ... عرفوا عند ذلك أن العدو القادم عليهم لا يستخف به، وأن شمس أيامهم قاربت الأفول.
ومن الأدلة التي يجب أن تذكر للدلالة على كياسة نابوليون واجتذابه لقلوب قواده وضباطه، أنه لما علم بأن الكولونيل بيريه البحري جرح في يده، وفقد سيفه في المعركة البحرية، رقاه في الحال إلى رتبة «كونتر أميرال» وبعث له بالخطاب الآتي:
إنني أبعث إليك يا مواطني الجنرال بسيف عوضا عن سيفك الذي فقدته في واقعة شبراخيت، فأرجوك أن تقبله مني برهانا على اعترافي لك بفضل الخدم التي قمت بها للجيش في فتحه مصر.
بونابرت
ولا شك أن خطابا كهذا يفوح عبيره في الجيش فيملأ قلوب القواد والضباط والجنود حبا لقائدهم، ورغبة عظيمة في التفاني في خدمته وخدمة وطنهم.
قال نابوليون في مذكراته عن هذه الواقعة:
Halaman tidak diketahui