159

Napoleon di Mesir

نابوليون بونابارت في مصر

Genre-genre

كل ما نعلمه هو أن الدولة أعدت جيشا في جزيرة رودس لإرساله لمصر، وعهدت إلى أحمد باشا الجزار والي عكا بإرسال الجيوش إلى الديار المصرية عن طريق الصحراء، ولكن الجزار كان رجلا داهية لا يخفى عليه أن تجريد ولايته، التي استقل بها عن الدولة من جيوشه، يعرضه للوقوع في شراك الدولة، فلذلك لم يحفل بفرمانات الدولة وأوامرها كما يؤخذ ذلك من خطاب بعث به يوسف باشا ضياء حين عين لقيادة الجيش الزاحف على مصر، وهذا الخطاب، موجود بنصه في الجزء الثاني من «تاريخ الأمير حميدر أحمد الشهابي» واكتفى الجزار بإرسال أربعة آلاف، خليطا من المماليك المصرية والمغاربة والأرنئوط إلى قلعة العريش لتكون هذه القوة على مقربة منه، حتى إذا رأى من العثمانيين عين الغدر، استدعى تلك القوة إليه ثانية، وكانت هذه السياسة الخرقاء من أسباب ضعف الدولة في ذلك الحين وبعده إلى آخر عهد الإمبراطورية العثمانية.

ولنعد إلى نابوليون فنقول: إن فرقة الجنرال «رينيه» وصلت إلى العريش في 20 فبراير، وحصلت بينه وبين القوة المرابطة فيها بعض وقائع حتى اضطرت تلك القوة إلى الالتجاء إلى القلعة، ولم يكن فيها من المدافع غير ثلاث قطع، فكيف تفعل أمام تلك الحملة المنظمة والمدافع الكثيرة والجنود العديدة؟ وقدم عبد الله آغا

3

من قبل الجزار من جهة غزة بقوة تزيد عن ستة آلاف مقاتل فتلقاها الجنرالان كليبر ورينيه وهجمت عليها الجنود الفرنسية ليلا فبددت شملها قبل أن تتمكن من الوصول إلى نجدة العريش، وامتنعت القوة المرابطة في قلعة العريش وأبت التسليم إلى النهاية إلا على شريطة أن يسمح لها بالخروج بكامل سلاحها، ولم يرد نابوليون أن يفقد في هجومه على تلك القلعة نحو خمسمائة جندي من رجاله، وهو في أشد الحاجة إليهم بعد أن دام الحصار ثمانية أيام، ولذلك قبل شروط الحامية فسلمت وخرجت بسلاحها، بعد أن عاهد رجالها نابوليون وأقسموا بالشرف العسكري أن لا يرفعوا في وجهه سلاحا، ما دام يحارب سورية «وعلى رواية أخرى لمدة عام» ولكن هذه القوة بعد أن خرجت قاصدة دمشق تحولت ثانية إلى يافا وانضمت إلى المحاربين، فكان عملها هذا مسوغا لنابوليون أمام نفسه وضميره لقتل من قتل في تلك المجزرة البشرية التي بقيت وصمة في تاريخه على الرغم من الأسباب الوجيهة التي دافع بها عن نفسه وعمله في مذكراتاه في سنت هيلانة.

ولما استولى الفرنساويون على العريش أرسلوا إلى القاهرة بخبر انتصارهم فأقيمت الزينات وأطلقت المدافع، قال الجبرتي في حوادث 25 رمضان: «وبعد الظهر عملوا الشنك الموعود به وضربوا عدة مدافع بالقلعة والأزبكية، وأظهر النصارى الفرح والسرور بالأسواق والدور، وأولموا في بيوتهم الولائم، وغيروا الملابس والعمائم، وتجمعوا للهو والخلاعة، وزادوا في القبح والشناعة.»

ولما استولى نابوليون على العريش أصدر منشورا لأهالي سوريا كما فعل في الإسكندرية لأهالي مصر، وقد رأينا من باب المقارنة والفائدة التاريخية أن نأتي على بعض شذرات منه فيما يأتي:

بسم الله الرحمن الرحيم ... وبه نستعين

من طرف بونابرته أمير الجيوش الفرنساوية إلى كافة المفتيين والعلماء وكافة أهالي نواحي غزة والرملة ويافا حفظهم الله تعالى! بعد السلام نعرفكم أننا حررنا لكم هذه السطور نعلمكم أننا حضرنا إلى هذا الطرف بقصد طرد المماليك وعسكر الجزار عنكم، وإلى أي سبب حضور عسكر الجزار وتعديه على بلاد يافا وغزة التي ما كانت من حكمه، وإلى أي سبب أرسل عساكره إلى قلعة العريش، بذلك هجم على أرض مصر فلا شك كان مراده إجراء الحروب معنا ونحن حضرنا لنحاربه.

ومن هذا يرى القارئ أن نابوليون مع أنه يحارب الدولة العثمانية في بلادها، ومع أنها أعلنت الحرب عليه وعلى فرنسا فإنه لا يزال متمسكا بأنه لا يحارب تركيا، ولا يقصد التعدي إلا على المماليك وأحمد باشا الجزار الذي بادأه العدوان! ثم جاء في هذا المنشور:

وقصدنا أن القضاة يلازمون وظائفهم وأن دين الإسلام لا يزال معتزا ومعتبرا والجوامع عامرة بالصلاة وزيارة المؤمنين ... والذي يتظاهر لنا بالحب يفلح والذي يتظاهر بالغدر يهلك ... إلخ.

Halaman tidak diketahui