المقدمة التاسعة
نوادر العميان
قال بعضهم لبشار بن برد: ما أذهب الله كريمتي مؤمن إلا عوضه الله خيرًا منهما. فبم عوضك؟ قال: بعدم رؤية الثقلاء مثلك.
وقال بعضهم: يقال إن أهل هيت يكون أكثرهم عورًا. فرأيت رجلًا منهم صحيح العينين. فقلت له: إن هذا لغريب! فقال يا سيدي إن لي أخًا أعمى قد أخذ نصيبه ونصيبي.
يقال: إن رجلًا أعمى تزوج امرأة قبيحة: فقالت له: رزقت أحسن الناس وأنت لا تدري. فقال لها: يا بظراء! أين كان البصراء عنك قبلي؟ قال بعضهم: نزلت في بعض القرى وخرجت في الليل لحاجة فإذا أنا بأعمى على عاتقه جرة ومعه سراج. فقلت له: يا هذا؟ أنت والليل والنهار عندك سواء! فما معنى السراج؟ فقال: يا فضولي! حملته معي لأعمى البصيرة مثلك، يستضيء به. فلا يعثر بي فأقع أنا وتنكسر الجرة.
قيل إن الأعمش كان يقوده النخعي، وهو أعور. فيصيح بهما الصبيان: عين بين اثنين. فكان النخعي إذا انتهى إلى مجامعهم خلى عنه: فقال له الأعمش: ما عليك؟ يأثمون وتؤجر. فقال النخعي أن يسلموا ونسلم.
قالت لأبي العيناء قينة يومًا: يا أعمى! فقال لها: ما استعين على وجهك بشيء أصلح من العمى.
وسمع محمد بن مكرم رجلًا يقول: من ذهب بصره، قلت حيلته. فقال له: ما أغفلك عن أبي العيناء؟ وقال المتوكل يومًا: لولا ذهاب بصر أبي العيناء لنادمته؟ فبلغه ذلك. فقال: قولوا له إن أعفيتني من قراءة نقوش الخواتيم ورؤية الأهلة صلحت لغير ذلك. فبلغ المتوكل ذلك فضحك ونادمه.
1 / 48