بعد عودتك من المرقص أيتها الأم السورية وأنت مرتدية ثوبا مكشوفا يعري زنديك ويطلق نهديك للأنظار، عندما تدخلين على ابنك بهذه الصورة، وفي قلبه دماء أجداده السوريين تجول بقوة تضيق بها أنفاسه، حينئذ تمعني بلفتاته وقد اتقدت بها نار السماء، وجالت بينها غيرة النفس الأبدية من ضلال الكبرياء الزائلة، تمعني وافهمي ما تعني تلك الدمعة المحترقة التي تجول بين أجفان الولد وهو لا يجسر أن يجود بها.
تلك الدمعة تقول كما قال الفادي العظيم عن هيكل أورشليم:
بيتي بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة للصوص.
تلك الدمعة تقول: «يا أماه! إن زنديك خلقا لتربيتي وأوجدا وسادة لرأسي، إن نهديك خلقا ينبوعا لماء حياتي، فمن قال لك إن هذه الكنوز أوجدت لخدمة البهرجة والكبرياء القاتلة، أية شريعة أوجبت لك أن تدنسي هيكل أبي ومركع نفسي التي تناجي خالقها من بين ذراعيك؟ من حلل لك أن تجعلي هذه الكنوز التي وقفها الله على العيلة محجة للشهوات، ومرمى لسهام الأنظار.
ألا تعلمين بأن كل لفتة تلقى على ينبوع حياتي تطبع عليه وصمة الدنس وتموهه بالعار! ...
أنت هيكلي يا أماه، وهذا الهيكل هو بيت صلاة البشرية، فمن قال لك أن تفتحيه كمغارة للصوص؟
أنا لا أريد أن أجرحك أيتها المرأة السورية، أنت أفضل من نساء كثير من الشعوب المتمدنة، ولكن للتشبيه قوة هائلة تسطو على أرقى النفوس فتفسدها، لا أقول إنك فاسدة القلب يا أختي، بل أجزم بأن هذا الضلال الذي تحسبينه تمدنا سوف يدخل إلى قلبك الفساد.
أنت الآن تلبسين «الداكولته» عن محبة الزينة فقط، ولكن عن قريب سوف تلبسينه عن ضلال حقيقي وفساد لا يشفى، أنت تريدين أن تدعي عصرية، وهذا الميل يحارب فيك عفاف الشرق وحرمة الدما السورية، أنت تحاربين طبيعتك السامية اليوم، وغدا ستنقلب تلك الطبيعة إلى ضلال متأصل في النفس فيقوم العراك بينها وبين الواجب، وعلى الحضيض الذي يقوم فوقه هذا الجهاد تتبدد كرامة بيتك كالدخان، ويسقط طفلك ضحية برية تطلب الانتقام وتستنزل اللعنة على مبدأ شقائه.
أيتها الأم، إن بين يديك اليوم سعادة امرأة الغد، ربي ابنك على مبادئ الفضيلة والأدب، ولا يمكن لك أن تقومي بهذا الواجب دون أن تكوني أنت فاضلة أولا.
اعلمي بأن التهذيب ليس تمثيل رواية تقوم بالإلقاء والإيماء، لا يدخل إلى النفس غير ما يخرج من النفس، إذا كنت ساقطة ومباديك سافلة وأعمالك شاذة فعبثا تدلين ابنك على طريق الشرف والمجد بالأقوال والتهديد.
Halaman tidak diketahui