239

الكمالات الثانية فهي أكثرية لكنها ليست من الشرور التي كلامنا فيها. وهذه الشرور مثل الجهل بالهندسة ومثل فوت الجمال الرائع وغير ذلك مما لا يضر في الكمالات الأولى ولا في الكمالات التي تليها فيما يظهر منفعتها وهذه الشرور ليست بفعل فاعل بل لأن لا يفعل الفاعل لأجل أن القابل ليس مستعدا أو ليس يتحرك إلى القبول وهذه الشرور هي إعدام خيرات من باب الفضل والزيادة في المادة.

فصل في معاد الأنفس الإنسانية

وبالحري أن نحقق ههنا أحوال الأنفس الإنسانية إذا فارقت أبدانها وأنها إلى أي حال تصير " فنقول " يجب أن تعلم أن المعاد منه مقبول من الشرع ولا سبيل إلى إثباته إلا من طريق الشريعة وتصديق خبر النبوة وهو الذي للبدن عند البعث وخيرات البدن وشروره معلومة لا تحتاج إلى أن تعلم. وقد بسطت الشريعة الحقة التي أتانا بها نبيها المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم حال السعادة والشقاوة التي بحسب البدن ومنه ما هو مدرك بالعقل والقياس البرهاني وقد صدقته النبوة وهو السعادة والشقاوة الثابتتان بالمقاييس اللتان للأنفس وإن كانت الأوهام منا تقصر عن تصورها الآن لما نوضح من العلل. والحكماء الإلهيون رغبتهم في إصابة هذه السعادة أعظم من رغبتهم في إصابة السعادة البدنية بل كأنهم لا لتفتون إلى تلك وإن أعطوها فلا يستعظمونها في جنب هذه السعادة التي هي مقاربة الحق الأول على ما نصفه عن قريب فلنعرف حال هذه السعادة والشقاوة المضادة لها فإن البدنية مفروغ عنها في الشرع فنقول يجب أن تعلم أن لكل قوة نفسانية لذة وخيرا يخصها وأذى وشرا يخصها مثاله أن لذة الشهوة وخيرها أن يتأدى إليها كيفية محسوسة ملائمة من الخمسة. ولذة الغضب الظفر ولذة الوهم الرجاء. ولذة الحفظ تذكر الأمور الموافقة الماضية وأذى كل واحد منهما ما يضاده وتشترك كلها نوعا من الشركة في أن الشعور بموافقها وملائمها هو الخير واللذة الخاصة بها والموافق لكل واحد منتها بالذات والحقيقة هو حصول الكمال الذي هو بالقياس إليه كمال بالفعل فهذا أصل. وأيضا فإن هذه القوى وإن اشتركت في هذه المعاني فإن مراتبها في الحقيقة مختلفة فالذي كماله أتم وأفضل والذي كماله أكثر والذي كماله أدوم والذي كماله أوصل إليه وأحصل له هو في نفسه أكمل فعلا وأفضل والذي هو في نفسه أشد إدراكا فاللذة أبلغ له وأوفى ولا محالة وهذا أصل. وأيضا فإنه قد يكون الخروج إلى الفعل في كمال ما بحيث يعلم أنه كائن ولذيذ ولا يتصور كيفيته ولا يشعر باللذاذة ما لم يحصل

Halaman 239