أن نعقل جملة الحركة وأجزاء الانتقال فيما نعقله دائرة معا فإذا على الأحوال كلها لا غنى عن قوة نفسانية تكون هي المبدأ القريب للحركة وإن كنا لا تمنع أن يكون هناك أيضا قوة عقلية تنتقل هذا الانتقال العقلي بعد استناده إلى شبه تخيل - وأما القوة العقلية المجردة عن جميع أصناف التغير فتكون حاضرة المعقول دائما إن كان معقولا كليا عن كلي أو كليا عن جزئي على ما أوضحناه. فإذا كان الأمر على هذا فالفلك متحرك بالنفس والنفس مبدأ حركته القريبة وتلك النفس متجددة التصور والارادة وهي متوهمة أي لها إدراك المتغيرات الجزئية وإرادة لأمور جزئية بأعيانها وهي كمال جسم الفلك وصورته ولو كانت لا هكذا بل قائمة بنفسها من كل وجه لكانت عقلا محضا لا يتغير ولا ينتقل ولا يخالطه ما بالقوة. والمحرك القريب للفلك إن لم يكن عقلا فيجب أن يكون قبله عقل هو السبب المتقدم لحركة الفلك: فقد علمت أن هذه الحركة محتاجة إلى قوة غير متناهية مجردة عن المادة لا تتحرك ولا بالعرض - وأما النفس المحركة فإنها كما تبين لك جسمانية ومستحيلة متغيرة وليست مجردة عن المادة بل نسبتها إلى الفلك نسبة النفس الحيوانية التي لنا إلينا إلا أن لها أن تعقل بوجه ما تعقلا مشوبا بالمادة وبالجملة تكون أوهامها أو ما يشبه الأوهام صادقة وتخيلاتها أو ما يشبه التخيلات حقيقة كالعقل العملي فينا وبالجملة إدراكاتها بالجسم ولكن المحرك الأول له قوة غير مادية أصلا بوجه من الوجوه إذ ليس يجوز أن تتحرك بوجه من الوجوه في أن تحرك وإلا لاستحالت ولكانت مادية كما قد بين هذا. فيجب بأن يحرك كما يحرك محرك بتوسط محرك آخر وذلك الآخر محلول للحركة مريد لها متغير بسببها وهذا النحو الذي يحرك علته محرك المحرك.
Halaman 216