157

فصل في وحدة النفس

ونقول إن النفس ذات واحدة ولها قوى كثيرة ولو كان قوي النفس لا تجتمع عند ذات واحدة بل يكون للحس مبدأ على حدة وللغضب مبدأ على حدة ولكل واحدة من الأخرى مبدأ على حدة لكان الحس إذا ورد عليه شيء فإما أن نرد ذلك المعنى على الغضب أو الشهوة فتكون القوة التي بها تغضب عن بعضها بحس وتتخيل - فتكون القوة الواحدة تصدر عنها أفعال مختلفة الأجناس - أو يكون قد اجتمع الإحساس والغضب في قوة واحدة فلا يكون إذا تفرقا في قوتين لا مجمع لهما بل لما كانت هذه تشغل بعضها بعضا ويرد تأثير بعضها على بعض فإما أن يكون كل واحد منها من شأنه أن يستحيل باستحالة الآخر أو يكون شيء واحد هو يجمع هذه القوى - وكلها تؤدي إليه فتقبل عن كلها ما يورده والقسم الأول محال لأن كل قوة فعلها خاص بالشيء الذي قيل إنه قوة له وليس يصلح كل قوة لكل فعل فقوة الغضب بما هي قوة الغضب لا تحس وقوة الحس بما هي قوة الحس لا تغضب فبقي القسم الثاني وهو أنها كلها تؤدي إلى مبدء واحد - فإن قال قائل إن قوة الغضب ليس تنفعل عن الصورة المحسوسة لكن الحس إذا أحس بالمحسوس لزمه إنفعال قوة الغضب بالغضب وإن لم يكن ينفعل بصورة المحسوس - فالجواب عن هذا أن لا محال وذلك أن قوة الغضب إذا انفعلت عن قوة الحس فإما أن ينفعل عنه لأن تأثيرا وصل إليه منه وذلك التأثير هو تأثير ذلك المحسوس فيكون انفعل عن ذلك المحسوس - وكلما انفعل عن المحسوس بما هو محسوس فهو حاس - وأما أن يكون ينفعل عنه لا من جهة ذلك المحسوس فلا يكون الغضب من ذلك المحسوس وقد فرض من ذلك المحسوس هذا خلف وأيضا فإنا نقول إنا لما أحسسنا بكذا غضبنا ويكون هذا كلاما حقا فيكون شيء واحد هو الذي أحس فغضب - وهذا الشيء الواحد إما أن يكون جسم الانسان أو نفسه. فإن كان جسم الانسان فإما أن يكون جملة أعضائه وإما أن يكون بعض أعضائه ولا يصح أن يكون جملة أعضائه فإنه لا يدخل في هذه اليد والرجل ولا يجوز أيضا أن يكون عضوان من أعضائه هذا أحس وهذا غضب فإنه لا يكون حينئذ شيء واحد أحس فغضب - ولا أيضا عضو واحد هو عند أصحاب هذا القول موضوع للأمرين جميعا فعسى أن الحق هو أن قولنا إننا أحسسنا فغضبنا معناه أن شيئا منا أحس وشيئا منا غضب لكن مراد القائل إنا أحسسنا فغضبنا ليس أن هذا منا في شيئين بل أن الشيء الذي أدى إليه الحس هذا المعنى عرض له إن غضب - فإما أن يكون

Halaman 157