3 ، وستجد أنه مهما يكن عدد الأشياء كلها، ولنرمز له بالرمز ن، فسيكون عدد الفئات التي يمكنك تكوينها منها هو 2
ن ، ومن الممكن رياضيا أن نبرهن على أن 2
ن
هي دائما أكبر من ن، سواء كانت هذه عددا متناهيا أو غير متناه؛ ومن هنا تعلم أن عدد الأشياء كلها في الكون هو دائما أصغر من عدد الفئات أو المجموعات التي يمكن تأليفها من تلك الأشياء.
وفي قولنا إن عدد الأشياء كلها التي في الكون ليس هو بأكبر عدد نعد به الأشياء في الكون، مفارقة ظاهرة كالمفارقة التي رأيناها في قول إبمنديز الإقريطي حين قال عن قومه من أهل إقريطش إنهم جميعا كذابون، فانتهى بنا القول نفسه إلى أن بعضهم - على الأقل - صادق؛ فكذلك قولك عن الأشياء كلها في الكون إن عددها ن ينتهي بك إلى أنها إذن تكون أكثر من ن؛ إذ تكون 2
ن
كما بينا. وهي مفارقة لا تزول إلا إذا فرقنا بين الأشياء الجزئية من جهة والفئات التي تتألف الجزئية من جهة أخرى، بحيث لا نجعل هذه على قدم المساواة مع تلك، بل نجعلهما من تلك الأشياء من نمطين مختلفين.
يبدأ الخلط إذا ما عددت الأفراد الجزئية، ثم أضفت إليها في حزمة واحدة وعلى الأساس نفسه عدد الفئات التي تكونها من تلك الأفراد؛ فلو كان أمامك فردان يكونان مجموعة ما، يكونان - مثلا - زوجا من الدجاج أو زوجا من الأحذية، فإما أن تنظر إليها من زاوية الأفراد فيكون العدد اثنين، وإما أن تنظر إليها من زاوية المجموعة فيكون العدد واحدا، دون أن تجمع بين وجهتي النظر معا في عدد واحد فتقول إن هناك ثلاثة أشياء؛ هذا الفرد وهذا الفرد والزوج الذي يتكون منهما، وإلا كنت كفيلسوف صيني قديم قال عن بقرة وحصان إنهما ثلاثة أشياء؛ البقرة على حدة، والحصان على حدة، ومجموعة البقرة والحصان معا؛ أو كنت كأفلاطون حين يقول في محاورة بارمنيدس ما ملخصه أنه إذا كان هنالك العدد 1، إذن فالعدد 1 له وجود، ولكن العدد 1 وصفة الوجود ليسا متطابقين تطابقا ذاتيا يجعلهما شيئا واحدا بذاته، وإذن فهما اثنان؛ وإذن فهناك العدد 2، وإذا ضممنا العدد 2 إلى العدد 1 وإلى صفة الوجود كان لنا بذلك مجموعة عددها 3، وهكذا؛ كلا، إنه لا يجوز أن نحكم بالوجود على الأفراد الجزئية بنفس المعنى الذي نصرفه إلى الفئات، فإذا وصفنا الأفراد الجزئية بالوجود، كانت الفئات غير ذات وجود بنفس المعنى؛ فالمعنى الذي نقصد إليه إذا ما قلنا عن الفئات إنها «موجودة» غير المعنى الذي نقصد إليه إذا ما قلنا عن المفردات إنها «موجودة»، ولو كان المعنيان متطابقين في معنى واحد، لكان العالم الذي فيه ثلاثة أشياء، نكون منها ثماني فئات، عالما يحتوي على أحد عشر كائنا.
وننتقل بحديثنا الآن عن نقيضة الفئات التي ليست أعضاء في نفسها؛ فكما أسلفنا لك القول، لا تكون مجموعة الأفراد فردا من هؤلاء الأفراد، فمجموعة المقاعد ليست مقعدا، ومجموعة أفراد الناس ليست فردا من الناس، وهكذا، وباختصار ليست المجموعات أو الفئات التي نصنف بها الأشياء، هي نفسها أشياء، وهذا بالطبع يصدق أيضا على مجموعة الأشياء كلها التي في الكون، لا تكون شيئا من أشياء الكون نتحدث عنه كما نتحدث عن أي واحد منها، لكن ماذا تقول في مجموعة كبرى نضم فيها - لا أفراد فئة واحدة - بل نضم فيها سائر المجموعات التي في العالم من أشجار وأنهار وجبال وكتب وناس ... إلخ؛ فها هنا نري أنفسنا إزاء فئة من فئات؛ أي إزاء مجموعة تضم مجموعات، فالأعضاء نفسها مجموعات كالمجموعة نفسها التي تضمها، فهل نقول عندئذ إن الفئة الكبرى التي أعضاؤها فئات صغري، تكون - كأعضائها - فئة كأي فئة أخرى وإن اختلفت عنها حجما؟ لو كان هذا هكذا، كنا إزاء حالة أمكن فيها لفئة ما أن تكون عضوا من أعضاء نفسها كما قد يبدو للنظرة الأولى.
نعيد هذا الذي قلناه في عبارة أخرى زيادة في توضيحه؛ فقد قلنا إن فئات الأشياء المفردة كما نألفها في حياتنا اليومية لا تكون - بالبداهة - أعضاء بين أعضاء نفسها؛ أي إننا - مثلا - لو حزمنا الأقلام كلها في مجموعة واحدة، لما كانت هذه المجموعة قلما من الأقلام؛ وبهذا لا يجوز لنا أن نصفها بما نصف به كل قلم على حدة. ولما كانت الكلمات الكلية مثل «إنسان» و«شجرة» و«قلم» إن هي إلا أسماء تدل على مجموعات من أفراد، بحيث لا تكون أية مجموعة منها فردا من أفرادها، كان من غير الجائز أن نتحدث عن اسم المجموعة على نفس الأساس الذي نتحدث به عن كل فرد من الأفراد على حدة. وسؤالنا الآن هو هذا: أيستحيل إطلاقا على أية مجموعة كائنة ما كانت أن تكون عضوا في نفسها؟ ومصدر سؤالنا هذا هو ما قد يطوف بعقولنا من ظن بأننا نكون إزاء حالة كهذه لو أننا جمعنا لا أفرادا بل فئات في فئة كبرى تضمها بحيث تكون تلك الفئات الصغرى أعضاء في الفئة الكبرى؛ فهنا قد نظن أن الفئة الكبرى فئة كما أن كل فئة من أعضائها هي فئة كذلك؛ وإذن فالفئة الكبرى يكون شأنها شأن فئاتها الصغرى في كونها مجموعة كأي فئة من أعضائها؛ أي إن الفئة الكبرى في هذه الحالة تكون عضوا من أعضاء نفسها ، يجوز أن نتحدث عنها بمثل ما نتحدث به عن أي عضو من أعضائها. ولو صح ذلك لكان للأمر نتيجته الهامة في الفلسفة، وهي أن يستطيع الفيلسوف التحدث عن الكون كله دفعة واحدة باعتباره مجموعة كبري، ما دام في مستطاعه أن يتحدث عن أية فئة أخرى من فئات الأشياء. ونكرر السؤال بالصورة التي يستخدمها برتراند رسل حين يتحدث عن هذا الموضوع، فنقول: إذا جمعنا الفئات التي لا تصلح الواحدة منها أن تكون عضوا في نفسها، إذا جمعناها في فئة واحدة، بحيث أصبحت هذه فئة للفئات التي ليست أعضاء في نفسها، فهل تكون هذه الفئة عضوا في نفسها أو لا تكون؟
Halaman tidak diketahui