ويضحك الحاج محمدين: وكيف سيراها؟ - دع هذا لي. - هل أنت جاد؟ - سأخبرك بالموعد في التليفون حتى تحرص على وجود فؤاد بالمحل. - أنا لن أخبره بشيء. - إياك يا ابا الحاج أن تخبره، سنجعل الموضوع وكأن ابنة العمدة قادمة لشراء لوازمها لا أكثر ولا أقل.
ونادى الحاج محمدين مرة أخرى: يا سليمان.
وصاح سويلم في غضب صادق: إياك يا ابا الحاج، إنما أسعى سعي أخ لأخيه، فلا تفسد علي سعادتي وانشراحي. - ربنا يا بني يكتب لك في كل خطوة سلامة وتوفيق، أدخلت الأمل إلى نفسي بعد أن تملكني اليأس. •••
قال سويلم: يا خواجة أنا عندي فكرة. - قل. - الآن المحلات تملأ الزقازيق، والستات إن كن تعودن الشراء منك، فهن لن يلبثن أن يذهبن إلى هذه المحلات، فهن طبعا يردن أن يخرجن، وأن يكون مجال الاختيار عندهن أوسع. - أنا فاهم هذا. - إذن لماذا لا تذهب إلى القرى، نستأجر سيارة ونذهب مرتين أو ثلاثا في الأسبوع إلى البلاد؟ - فكرة عظيمة يا سويلم، ولكن كيف سنحصل مستحقاتنا ونمر على بيوت البندر؟ - وبيوت البندر أين ستذهب، إنها موجودة ولك علي أمر عليها بعد الظهر في الأيام التي نذهب فيها إلى البلاد. - اسمع سويلم، أنا يا بني كبرت، أنا أشتغل حتى لا أكون عاطلا، أنت تذهب إلى البلاد ومعك البضاعة والمكسب بالنصف. - لماذا النصف هل اشتكيت لك؟ أنت لا تؤخر عني طلبا وأنا راض هكذا. - المكسب بالنصف يا سويلم، أنا عندي فلوس كثيرة ولكن أخشى أن أمرض مرضا أكثر من فلوسي، ولا أريد أن أحتاج لأحد، والناحية الثانية لا تنفع فيها الفلوس، أنا أريدك، أريدك أنت ونعمات في البيت؛ لأنني رأيت فيكما الوفاء والأمانة، وأنا أعلم أنني إذا مرضت لن تتركاني للمرض. - يا رجل أعوذ بالله، من الذي أتى بسيرة المرض الآن يا خواجة؟ - الوحيد لا يخاف شيئا إلا المرض سويلم. - وهل أنت وحيد يا خواجة فوكيون؟ - من يوم مجيئك لم أصبح وحيدا. اسمع سويلم أنت من بكرة خذ البضاعة إلى البلاد، طبعا أول بلد سيكون الفؤادية. ••• - صباح الخير يا حضرة العمدة. - أهلا يا سويلم وبسيارة سويلم. أتكون قتلت الخواجة وسرقت فلوسه؟ - لا قدر الله يا حضرة العمدة، الخواجة لمبرو رجل طيب مثل سعادتك يا حضرة العمدة. - وما هذه الأشياء التي تحملها؟ - بضاعة جئت أعرضها على الست الحاجة والأستاذة وهيبة. - ادخل، الحاجة أمك ووهيبة أختك.
كان سويلم قد انتقى أقل الأقمشة شأنا، وتوقع ألا يعجب الحاجة أو وهيبة شيء مما سيعرضه.
الحاجة سيدة وقور لم تتعد الخامسة والخمسين من عمرها، معتدلة القوام تميل إلى النحافة، في وجهها إشراق ترسل به إليه نفس لم تعرف الحقد يوما ولا الكراهية، يحبها أهل القرية حب أم وأخت، لم تتأخر عن خير تستطيع أن تقدمه.
أما وهيبة فهي فتاة طويلة القامة صبيحة الوجه، بيضاء البشرة، ذات شعر مسترسل ينسكب انسكاب الحرير على كتفيها، وعلى شفتيها ابتسامة تمسكها أن تبقى على رغم أنفها، فكأنما تجد الابتسامة نفسها في غير مكانها، فهي تريد أن تهرب وتولي الأدبار، كأنها لا تعرف لوجودها على هذا الثغر معنى ولا سببا، وفي عينيها الواسعتين الوديعتين قلق يريد أن يعلن الدنيا بوجوده، فترده وهيبة في كبرياء الشريفات وفي ثقة المثقفات، وفي وجهها انسياب حلو فلا هو بالمستطيل ولا هو بالمستدير، لها إطلالة تأمر من يراها أن يشعر بالإكبار والاحترام. - أهلا، أهلا يا سويلم. - أطال الله عمرك يا ست الحاجة. - إن شاء الله تكون مبسوطا. - بركة دعائك يا ست الحاجة.
وأفرجت وهيبة ثغرها عن ابتسامة مرحبة مضيئة: لك وحشة يا ولد يا سويلم، والله أحسسنا بفراغ كبير من يوم أن تركت البلد، وكيف حال نعمات؟ - تسلم على ست الحاجة وعليك، وكانت تريد أن تأتي معي لولا أنها ... - ماذا؟ قل؟ - لا تكسفيني يا ست وهيبة. - لعنة الله عليك، وفيم العجلة يا ولد؟ - قلنا نربيهم ونحن شباب.
وقالت الحاجة: على بركة الله، مبروك يا ابني ألف مبروك.
ثم نادت: يا نوادر.
Halaman tidak diketahui