النهر الفائق
للإمام سراج الدين عمر بن إبراهيم بن نجيم الحنفي
المتوفى سنة ١٠٠٥هـ
شرح
كنز الدقائق
للإمام أبي البركات عبد الله بن أحمد بن محمود المعروف بحافظ الدين النسفي
المتوفى سنة ٧١٠هـ
حققه وعلق عليه
أحمد عزو عناية
منشورات محمد علي بيضون
دار الكتب العلمية
بيروت - لبنان
الطبعة الأولى
١٤٢٢هـ-٢٠٠٢م
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التحقيق
ترجمة صاحب الكنز
ترجمة المؤلف
وصف المخطوط
فهرس مراجع التحقيق
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر ولا تعسر
الحمد لك يا من أظهر ما شاء لمن شاء من كنوز هدايته، وأطلع من أحب على دقائق الحقائق بفيض فضله وعنايته، وأصلي وأسلم على نهاية خلاصة الأصفياء وخيرة نخبة العظماء من الأنبياء محمد المختار من خيار الأخيار، وعلى آله وصحبه الكرام الأبرار ما تكرر الليل والنهار، وتواصلت قطرات الأمطار في الأقطار وتواصلت أبكار نفائس الأفكار.
أما بعد
فإن المختصر الفقهي المنسوب إلى أفضل المتأخرين وأكمل المتبحرين حافظ الملة والدين أبي البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي، عمدة المحققين الموسوم (بكنز الدقائق) منتقى من منتقى فائق جمع أصول هذا الفن وقواعده واحتوى على غوامضه وشوارده، وكنت ممن توفرت رغبته على تعلمه وتعصيله وتزايد حرصه على الإحاطة بجمله وتفاصيله، فشرعت في شرح عليه يذلل صعاب عويصاته الأبية، ويسهل طرق [؟] الوصول إلى ذخائر كنوزه الفقهية [المخفية]، ويظهر [به يظهر] لكم خبايا [لباب آثار] تراكيبه، ومنه يعذب عباب بحار أساليبه، أودعته فوائد هي حقائق لباب [آراء] المتقدمين، وفوائد [وفرائد] هي نتائج أفكار المتأخرين، منبها على أوهام وقعت لبعض الناظرين، ولا [لا] سيما شيخنا الأخ زين الدين، ختام المتأخرين، تغمده الله برضوانه، ومتعه بجناته [بجنانه]، ولعمري فالسلامة [أن السلامة] من هذا الخطر هو [لأمر] يعز على البشر، وسميته (النهر الفائق بشرح كنز الدقائق)، والله أسأل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، نجازى [مجازا] عليه في دار النعيم، آمين.
1 / 17
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الطهارة
ــ
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الطهارة
قدمت العبادات على غيرها اهتماما بشأنها، قال بعض المحققين: لم نجدهم اعتمدوا في التقديم شيئا يجري مجرى الأصل غير العناية والاهتمام، لكن ينبغي أن يفسر وجه ذلك، وقد ظن كثير أنه يكفي أن يقال: قدم للعناية من غير أن يذكر من أين كانت تلك العناية وبمَ كان أهم وهي هنا كثرة الاحتياج، وهي مقولة بالتشكيك، ومن ثم بدأ بالصلاة؛ لأنها تالية الإيمان، ولا خفاء في شرطية الطهارة لها، والشرط يسبق المشروط طبعا، فكذا وضعا، وقدمت على غيرها من الشروط، قيل: لأنها لا تسقط بعذر، وأورد بأن النية كذلك فزيد، ويلزم وجوبها في كل ركن من أركانها بخلاف النية، فلا يشترط استصحابها لكل ركن، وهي من خصائص الصلاة، وأما النية: فمن خصائص العبادات، ولقائل أن يقول: لا نسلم أن النية والطهارة لا يسقطان به، بل قد يسقطان به، أما النية ففي "القنية": من توالت عليه الهموم تكفيه النية بلسانه.
وأما الطهارة: فقد قالوا فيمن قطعت يداه إلى المرفقين ورجلاه إلى الكعبين وكان بوجهه جراحةٌ: إنه يصلي بلا وضوء ولا تيمم ولا إعادة عليه في الأصح كما في "الظهيرية". فإذا اتصف بهذا الوصف بعد ما دخل الوقت سقطت عنه الطهارة بهذا العذر، ثم، كتاب الطهارة خبر لمحذوف، ولك نصبه على أنه مفعول لفعل محذوف، فإن أريد التعداد بني على السكون وجر بالكسرة تخلصا من التقاء
1 / 19
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الساكنين، وهو مركب إضافي فقيل: حده لقبا يتوقف على معرفة فرده لأن العلم بالمركب يفيد العلم بجزأيه، وقيل: لا يتوقف لأن التسمية سلبت كلا من جزأيه عن معناه الإفرادي، وعليه فكتاب الطهارة لقبا ترجمته جعلت اسما لجملة المسائل المتضمنة لأحكام المضاف إليه فيها ورجح الأول بأنه أتم فائدة، ثم اختلف فقيل: الأولى البدأة بالمضاف لسبقه في الذكر، وقيل: بالمضاف إليه لسبقه في المعنى؛ إذ لا يعلم المضاف من حيث هو مضاف حتى يعلم ما أضيف إليه وهو أحسن لأن المعاني أقدم من الألفاظ كذا قرره الإمام الآبي من المالكية وهو حسن طال ما تفحصت عنه إذ قرروا نظيره في قولهم أصول الفقه، وإذا عرفت هذا فالكتاب لغة: إما مصدر وجاء على كتابة وكتبا سمي به المفعول مبالغة، أو أن فعالا بني للمفعول كاللباس معناه الجمع وهو ضم الشيء إلى الشيء ومنه كتب البغلة وعليها إذا جمع بين شعرها بشعرة وسميت/ كتابة لأنها جمع الحروف إلى صورها.
قال في "المغرب": وقولهم سمي هذا العقد مكاتبة لأن فيه ضم حرية اليد إلى حرية الرقبة أو لأنه جمع بين نجمين فصاعدا ضعيف، وإنما الصحيح أن كلا منهما كتب على نفسه أمر هذا الوفاء، وهذا الأداء. انتهى، ووجه الضعف في "البحر" بأنه قيل: الأداء لم تحصل حرية الرقبة، والجمع بين النجمين ليس بلازم فيها لجوازها حالة، وأقول: غير خاف أن حرية الرقبة وإن لم توجد لكن انعقد سببها، والأصل فيها التنجيم، فالظاهر أن يقال: الجمع حقيقة إنما يكون في الأجسام. وما ذكر من المعاني وقد أمكن الحقيقي باعتبار أن كلا منهما كتب على نفسه أمرا يعني وثيقة جمع الحروف فيها. من هنا قال الشارح بعد ذكر الضعيف: ولأن كلا منهما يكتب الوثيقة وهذا أظهر.
1 / 20
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعرفًا: جمع مسائل مستقلة، أي: ألفاظ مخصوصة دالة على مسائل مجموعة. وجوز بعض المحققين كونه عبارة عن النقوش الدالة عليها بتوسط تلك الألفاظ، أو عن المعاني المخصوصة من حيث أنها مدلول بتلك العبارات أو النقوش، أو عن المركب من الثلاثة أو الاثنين منها، فخرج جميع الحروف والكلمات التي ليست كذلك، والباب والفصل لدخولهما تحت الكتاب، وعم التعرف ما كان نوعا واحدا كاللقطة، أو أنواعا كالطهارة ومعنى الاستقلال عدم توقف تصور مسائل على شيء قبله وبعده لا الأصالة المطلقة كما ظنه من قال: اعتبرت مستقلة لإدخال كتاب الطهارة؛ إذ لا شك أن الاستقلال بالمعنى المذكور صادق عليه وفي طلاق "فتح القدير" الفصل صنف تحت ذلك المسمى بابا كما أن الباب يكون تحت المصنف المسمى كتابا، والكل تحت الصنف الذي هو العلم المدون فإنه صنف عال، والعلم مطلقا بمعنى الإدراك جنس وما تحته من اليقين والظن نوع، والعلوم المدونة تكون ظنية كالفقه، وقطعية كالكلام والحساب والهندسة، فواضع العلم لمّا لاحظ الغاية المطلوبة له فوجدها تترتب على العلم بأحوال شتى .. من جهة خاصة، وضعه ليبحث عنه من تلك الجهة فقد قيد ذلك النوع بعارض كلي، فصار خفيفا، وقيل: ... تم المصنفين من المؤلفين، وإن صح أيضا فيهم، وعلم مما ذكرنا أنها ... على التباين ... المقيد بكل منهما النوع، وإنما ذكر من نحو كتاب الحوالة ... بكتاب ... الطهارة بفتح الطاء لغة: النظافة عن الأدناس حسية كالأنجاس أو معنوية ... وقيل: حقيقة وقد استعملت فيهما شرعا إذ الحدث دنس حكمي والنجاسة الحقيقية دنس حقيقي وزوالهما طهارة، وبكسرها الآلة، وبضمها فضل ما يتطهر به.
واصطلاحا: نظافة المحل عن النجاسة حقيقية كانت أو حكمية وهذا أولى من تعريفها بزوال حدث أو خبث كما في "البحر" لوجهين ظاهرين، ولا فرق في ذلك المحل بين أن يكون له تعلق بالصلاة كالثوب والبدن والمكان أو لا كالأواني والأطعمة وأورد الوضوء على الوضوء وأجيب بأن تسمية الثاني طهارة مجازا وأفردها لأنها مصدر والأصل فيه الإفراد، ومن جمعها أراد الأنواع باعتبار متعلقها من الحدث والخبث وآلتها من الماء والتراب كذا قالوا، وفيه بحث.
1 / 21
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لما استقر من أن الجمع المعرف باللام مجاز عن الجنس فإذا حنث في نحو لا يشتري العبيد بالواحد فإرادة الأنواع إنما يحتاج إليها إن لو بقي الجمع على بابه وأجاب في "الحواشي اليعقوبية": بأن هذا عند عدم الاستغراق وعدم أنها للعهد كما في المثال المذكور، وانتفاء الأمرين هاهنا ممتنع، ولو سلم فاستواء هذا الجمع والمفرد ممتنع لما في لفظ الجمع من الإشعار بالتعدد، وإن بطل معنى الجمعية كيف وهذا الجمع لا يكاد يستعمل فيما لا يتعدد غايته أنه يصدق على الواحد والكثير بخلاف المفرد، انتهى.
والمذكور في خلع "فتح القدير" من أن حملها على الجنس مشروط بشرطين عدم إمكان العهدية، وكذا لو قالت: خالعني على ما في يدي من الدراهم، ولا شيء في يدها ردت مهرها أو ثلاثة دراهم وإمكان الاستغراق، ولذا لم تحمل عليه في نحو: لأشترين العبيد حتى لم يبرأ إلا بثلاثة لعدم إمكانه وحملت عليه في نحو لا أشتري العبيد لإمكانه في النفي، فحنث بواحد وهذا مصحح لا موجب انتهى، لكن المذكور في "كافي المصنف" أنه تبر في الإثبات بواحد. وعلى ما في "الفتح" يأتي ما أجاب به بعض المتأخرين من أن إبطال معنى الجمعية مخصوص بموضع النفي نص عليه البزدوي في "أصوله"، انتهى.
ومقتضى ما في "الكافي" انتفاء هذا الشرط فتدبره، ثم الإضافة لامية لا ميمية، ولا على معنى في لأن المضاف إليه باين المضاف ولم يكن ظرفا، أو كان أخص مطلقا كيوم الأحد وعلم الفقه وشجر الأراك كانت بمعنى اللام، وإن كان المباين ظرفا كانت بمعنى في، وإن اختص من وجه فإن كان المضاف إليه أصلا للمضاف، فالإضافة بمعنى من، وإلا فهي أيضا بمعنى اللام فإضافة خاتم إلى فضة بيانية وإضافة فضة إلى خاتم بمعنى اللام، كما يقال: خاتم فضتك خير من فضة
1 / 22
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
خاتمي، وجوز بعضهم كونها بيانية. وأما سبب/ وجوبها فهل هو الحدث أو الخبث أو إقامة الصلاة أو إرادتها؟ أقوال: إختار السرخسي الأول، ورجح الثاني في "الخلاصة" والثالث في "الكشف الكبير" وموافقة بعض هذه الأقوال لأهل الظاهر، أو غيرهم غير قادحة في صحتها عنهم كما ظنه في "البحر"، كيف والناقل ثقة واختار في "العناية": أن وجوبها لا وجودها لأنه مشروط إذا كان متأخرا عنها، وهو لا يكون سببا للمتقدم قيل: فيه نظر إذ وجود الصلاة مشروط بوجود الطهارة فلا ينافيه اشتراط وجوبها لوجود الصلاة، فالصواب أن يقال: إنه حينئذ يلزم أن لا تجب الصلاة بل بعدها مع أنه قاصر أيضا إذ لا يشمل النافلة لأنها غير واجبة، ويمكن أن يجاب بأن الوجود في النافلة ثابت عند الإرادة، وبالترك يسقط، نص عليه الشارح في الظهار، فإرادة النافلة سبب لوجوب واجب مخير فيصدق أنها سبب وجوده في الجملة.
أما شرائطها، فقال الحلبي: لم أرها مجموعة والمأخوذة من كلامهم ثلاثة عشر شرطا، تسعة منها شروط وجوب والباقي شروط صحة، وقد نظمتها، قلت:
شروط طهور المرء لا بد تعلم ** هي تكليف والإسلام محكم
كذا حدث ماء طهور ومطلق ** وكاف وضيق الوقت والحيض معدم
نفاس مع الإمكان للفعل هذه ** شروط وجوب ما بقي الصحة فاعملوا
1 / 23
فرض الوضوء غسل وجهه
ــ
فأولها استيعابك العضو كله ** وحيض نفاس والنواقض تعدم
والله الموفق.
(فرض الوضوء) أي: ركنه (غسل وجهه) الإضافة الأولى بيانية قيل: والفرق بينها وبين الإضافة الأعم إلى الأخص أنها في البيانية أريد تفسير الأول بالثاني، وفي إضافة الأعم أريد بالأعم هذا القدر الخاص، ويجوز أن تكون بمعنى اللام، والضمير عائد على المتوضئ المفاد من الوضوء قدمه على الغسل لأنه جزء منه ولكثرة الاحتياج إليه، ولذا قدم في القرآن وتعليم جبريل.
والفرض لغة جاء بمعنى قدر وقطع وواجب والمشهور أنه مشترك.
وقال الأصوليون: إنه حقيقة في التقدير مجاز في غيره إذ هو أولى من الاشتراك قيل لأن الاشتراك يحتاج إلى قرينتين بخلاف المجاز، وهذا ظاهره ليس بشيء، بل كل من المادة يحتاج إلى قرينة وتعددها بتعدده على البدل كتعددها بتعدد المجاز ولعل مرادهم لزوم الاحتياج دائما بتقديم الاشتراك دون المجاز بتعيين المراد ونفي الآخر انتهى. وغير خاف أن المعين نافية والمتغاير باعتبار الحيثية، وشرعا ما قطع بلزومه، كذا في "التحرير" لكنهم أطلقوه على العملي أيضا وعرفوه بما يفوت الجواز بفوته مع أنه يثبت بالظن نظر إلى قوة دلالته القطعية، ولذا فارق الواجب إن دخل في قسمة المفسر بما لزم فعله بدليل فيه شبهة كيف وقد قسموا الأدلة السمعية إلى أربعة أنواع: قطعي الثبوت والدلالة كالنصوص المتواترة، وقطعي الثبوت ظني الدلالة كالآيات المؤولة، وظني الثبوت قطعي الدلالة كأخبار الآحاد التي مفهوماتها قطعية وظنيهما. وأثبتوا الفرض بالأول وبالثاني وبالثالث الواجب وبالرابع السنة والاستحباب.
وأرادوا بالواجب ما يشمل الفرض العملي ومن هنا قال بعض المتأخرين: إنه أقوى نوعية وأضعف نوعي الفرض، وزادوا في التعريف: ولا ينجبر بجابر ولا حاجة إليه؛ لأن الجواز هنا بمعنى الصحة لا بمعنى الحل، ثم في إدراج المصنف المقدار
1 / 24
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الاجتهادي في الفروض إيماء إلى أنه أراد به العملي، قيل: هو بمعنى المفروض ولا حاجة إليه لأهنه صار من المنقولات الشرعية وبه سقط ما قاله بعض المتأخرين. كان المناسب عكس التركيب أو موضوع الفقه فعلى المكلف وموضوع المسألة ينبغي أن يكون جزئيا في جزئياته، على أنه في كلام المصنف مبني على ما اشتهر من وجوب الحكم بابتدائية المقدم من المعرفتين لتفاوت رتبهما أولا، لكن قال في "مغني اللبيب" التحقيق أن المبتدأ ما كان أعرف وعلى هذا فغسل وجهه وما عطف عليه هو الموضوع، لأن المضاف إلى المضاف إلى الضمير أعرف من المضاف إلى ذي الأداة كما صرحوا به.
تنبيه:
اعلم أن الفعل يطلق على المعنى الذي هو وصف للفاعل موجود كالهيئة المسماة بالصلاة من القيام والقراءة والركوع والسجود ونحوها، وكالهيئة المسماة بالصوم وهي: الإمساك عن المفطرات بياض النهار، وهذا يقال فيه الفعل بالمعنى الحاصل بالمصدر، وقد يطلق على نفس إيقاع الفاعل هذا المعنى ويقال فيه: الفعلي بالمعنى المصدري، أي: الذي هو أحد مدلولي الفعل ومتعلق التكليف إنما هو الفعل بالمعنى الأول لا الثاني؛ لأن الفعل بالمعنى الثاني اعتباري لا وجود له في الخارج، إذ لو كان موجودا لكان له موقع فيكون له إيقاع. وهكذا فيلزم التسلسل المحال فاعلم هذا فإنه ينفعك في كثير من المحال.
والوضوء: بالضم من الوضاءة المصدر، وبالفتح ما يتوضأ به، ولم يقل أربعة لفساد المعنى، وذلك لأن المفرد المضاف يعم ومدلول العام/ من حيث الحكم عليه كلية، أي: محكوم فيه على كل فرد مطابقة فيلزم أن كل فرض أربعة، ومن هنا احتيج في قول القدوري فرائض الصلاة ستة إلى الجواب، وما قيل من أنه من باب كل رجل في البلد يحمل الصخرة العظيمة ففيه نظر.
1 / 25
وهو من قصاص الشعر إلى أسفل الذقن
ــ
والغسل: بفتح الغين لغة إزالة الوسخ عن الشيء بإجراء الماء عليه، وبضمها اسم لغسل تمام الجسد وللماء الذي يغتسل به، وبكسرها: ما يغسل به الرأس من خطمي ونحوه، وشرعا هو الإسالة، وحدها أن يتقاطر الماء ولو قطرة عندهما وعند الثاني يجزئ إذا سال ولم يقطر، كذا في "الفتح".
وفي "الذخيرة": قيل تأويل ما عن الثاني أنه إن سال قطرة أو قطرتين ولم يتدارك، وبهذا عرف أن ذكر التقاطر مع الإسالة في التعريف كما جرى عليه كثير مما لا حاجة إليه، لأنه حيث أخذ في مفهومها لم يصدق بدونها، (وهو من قصاص شعره إلى أسفل ذقنه) جملة معترضة بين بها طول الوجه. والقصاص: مثلثة القاف والضم أعلاها، حيث ينتهي نبته في الرأس؛ إذ المراد بالشعر شعر الرأس، وهذا الحد لم يذكر في ظاهر الرواية، وإنما ذكر في غير رواية "الأصول" وهو صحيح، كذا في "البدائع" لكن كون المبدأ في من القصاص باعتبار الغالب، والمطرد إنما هو مبتدأ سطح الجبهة إلى أسفل اللحيين، إذ الأغم: الذي نزل الشعر على جبهته لا يكفيه الغسل من القصاص.
والأصلع: الذي انحسر شعره إلى وسط رأسه، لا يجب عليه الغسل منه بل لو مسح على الصلعة أجزأه في الأصح، كما في "الخلاصة".
وفي "المجتبى": وقيل: إن قل فمن الوجه وإلا فمن الرأس، ولا يخفى أن
1 / 26
وإلى شحمتي الأذن ويديه بمرفقيه
ــ
من منع المسح على الصلعة يلزمه إيجاب الغسل من القصاص، فيجوز أن يكون التعريف بناء عليه لا أنه خرج مخرج الغالب، وبهذا عرف أن الاقتصار على إيراد الأغم أولى، (وإلى شحمتي الأذن) من عطف الجمل، إذ لا يصح عطفه على قوله: إلى أسفل ذقنه، والأذُن بضم الذال ولك إسكانها تخفيفا، وكذا كل ما جاء على فعل من الأذن بفتحتين، وهو: الاستماع، وشحمتها: ما لان منها ولم يثبتها مع أنه الأصل، لما أن لكل أذن شحمة اختصارا، أي: ومبدأ عرضه من شحمة الأذن إلى الأخرى. فدخل البياض الذي بين العذار والأذن فيجب غسله، وعن الثاني لا، وظاهر المذهب الذي عليه أكثر المشايخ في الصحيح الأول، وعم التعريف ما ظهر من الشفة عند انضمامها إلا ما استتر، وقيل: إنها تبع للفم مطلقا والأول أصح، واللحية والشارب. وسيأتي الاعتذار عنه في إفرادها بالذكر، ولا كلام أن الخفيفة التي ترى بشرتها يجب إيصال الماء إلى ما تحتها، فقول من قال: يجب إيصال الماء إلى ما تحت الشارب محمول على ما إذا كان خفيفا ترى بشرته، وداخل العينين غير أنه سقط للحرج وخرج النزعتان بفتح النون والزاي ولك إسكانها وهما: الموضعان المختلطان بالناصية، وفي جانب الجنبين اللذين ينحسر الشعر عنهما في بعض الناس لأنهما من الرأس. ولا يقال للرأس نزعا بل زعوا والعرب به تمدح، لأنه آية الذكاء والسخاء، وتذم بالغمم لأنه ضد.
(ويديه بمرفقيه) أي: معهما فالباء للمصاحبة آثر التعبير بها على "مع" لما أنها لابتداء المصاحبة، والباء لاستدامتها، وهو بكسر الميم وفتح الفاء في الأفصح رجاء عكسه أيضا في الإنسان والدابة على الذراع وأسفل العضد، وسمي بذلك لأنه يرتفق به في الاتكاء عليه ونحوه، وفيه إيماء إلى أن إلى في الآية بمعنى مع كقوله: ﴿ويزدكم قوة إلى قوتكم﴾ [هود:٥٢] ورد بأنه يوجب غسل الكل، لأن اليد لغة اسم لما من رؤوس الأصابع إلى المنكب وقد يدفع بأن ما زاد على المرفقين خارج بالإجماع.
قال في "البحر": وما في "غاية البيان" من أنها قد تدخل وقد لا تدخل، فتدخل احتياطا مردود بأن الحكم إذا توقف على الدليل لا يجب مع عدمه والاحتياط العمل: بأقوى الدليلين وهو فرع تجاذبهما، وهو: منتف، وما في الهداية" وغيرها من
1 / 27
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنه غاية لمقدر تقديره اغسلوا أيديكم مسقطين إلى المرافق مردود، لأن الظاهر تعلقه باغسلوا وتعلقه بمقدر خلاف الظاهر على أنه يحتمل أيضا أسقطوا من المنكب إلى المرفق فلم يتعين الأول وفرقهم بين غاية الإسقاط والمد بأن الصدر إن تناول ما بعد إلى فهي للإسقاط، وإلا فللمد نحو: ﴿أتموا الصيام إلى الليل﴾ [البقرة:٨٧] غير مطرد لانتقاضه بما إذا حلف لا يكلمه إلى عشرة لم يدخل العاشر في ظاهر الرواية مع تناول العدد له.
وما ذكره المحققون منهم الزمخشري مع أن إلى تفيد معنى الغاية مطلقا، فأما دخولها في الحكم وخروجها عنه فأمر يدور مع الدليل فمما فيه دليل الخروج قوله تعالى: ﴿فنظرة إلى ميسرة﴾ [البقرة:٢٨] ومما فيه دليل الدخول للعلم بأنه لا يسري به إلى الأقصى من غير دخوله، وما نحن فيه لا دليل فيه على أحد الأمرين، فقلنا: بدخولهما احتياطا، إذ لم يرو عنه ﵊ أنه ترك غسلهما، فلا يفيد الاقتراض، فالأولى الاستدلال بالإجماع.
قال الشافعي ﵀ في "الأم": لا يعلم مخالفا في إيجاب دخول المرفقين في الوضوء وهذ منه حكاية للإجماع.
قال العسقلاني في "فتح الباري": فعلى هذا فزفز محجوج بالإجماع
1 / 28
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قبله، وكذا من قال: من أهل الظاهر ولم يثبت ذلك عن مالك صريحا، وإنما حكي عنه كلاما محتملا انتهى.
وأقول: معنى الاحتياط هنا، هو: الخروج عن العهدة بيقين، وما نسبه إلى الهداية سهو، وإنما الذي فيها رد لقول زفر: الغاية لا تدخل في المغيا إن هذه الغاية لإسقاط ما ورائها يعني: فهي داخلة، والجار متعلق باغسلوا على كل حال والنقض بمسألة اليمين أجاب عنه في فتح القدير بأن الكلام هنا في اللغة، والأيمان مبني على العرف نعم يرد النقض بمثل ما قرأت من القرآن إلى سورة كذا، والهداية إلى كتاب كذا، فإن الغاية فيهما لا تدخل تحت المغيا مع تناول الصدر لها.
وقوله: والأولى إلى آخره مما لا حاجة إليه إذ الفروض العملية لا تحتاج في إثباتها إلى القاطع فيحتاج إلى الإجماع على أن قول المجتهد لا أعلم مخالفاص ليس حكاية الإجماع الذي يكون غيره محجوجا به، فقد قال الإمام اللامشي في أصوله: لا خلاف أن جميع المجتهدين لو اجتمعوا على حكم واحد ووجدوا الرضا من الكل نصا كان ذلك إجماعا. فأما إذا نص البعض وسكت الباقون لا عن خوف بعد اشتهار القول فعامة أهل السنة أن يكون ذلك إجماعا.
وقال الشافعي ﵀: لا أقول إنه إجماع ولكن أقول لا أعلم منه خلافًا. وقال أبو هاشم من المعتزلة: لا يكون إجماعا ويكون حجة أيضا انتهى.
هذا ولو خلق له يدان ورجلان فالتامة هي الأصلية فما حاذى الزوائد محل الفرض غسل كالأصبع الزائدة والكف الزائد والسلعة وما لا فلا ولم أر في كلامهم ما
1 / 29
ورجليه بكعبيه
ــ
لو كانتا تامتين متصلتين أو منفصلتين، والظاهر وجوب غسلهما في الأول وواحدة في الثاني.
ولو في أظفاره طين أو عجين فالفتوى أنه مغتفر قرويا كان أو مدنيا، (ورجليه بكعبيه) أي: معهما، وهما العظمان الناتئان من جانبي القدم أي: المرتفعان، هذا هو المنقول عن أهل اللغة، وأنكر الأصمعي قول الناس أنه في ظهر القدم، ومن ثم قال القدوري: لا خلاف بين أصحابنا في تفسيره بذلك.
وأما ما رواه هشام عن محمد من أنه المفصل الذي في وسط القدم عند معقد الشراك فاتفق الشارحون تبعًا لما في المبسوط أنه سهو منه. وما قاله محمد إنما هو المحرم إذا لم يجد ذعلين، فإنه يقطع خفية أسفل من هذين الكعبين. فأما كعب الطهارة ففسره في الزيادات أي بما قلنا وفي الآية إشارة إليه، وذلك أنه لما كان في كل يد مرفق واحد قوبل جمع الأيدي بجمع المرافق على اعتبار انقسام آحاد أحد الجمعين على آحاد الجمع الآخر، وهو من الإيجاز البليغ ولو اتخذ في الرجل لقبح الكلام فيه بهذا المنوال، فلما عدل عن ذلك الأسلوب وقوبل جمع الرجل بتثنية
1 / 30
ومسح ربع رأسه
ــ
الكعب علم أنه في كل رجل متعدد، وفي أبي داود حين أمرهم النبي ﷺ بتسوية الصفوف فكان الرجل يلصق منكبه بمنكب صاحبه وكعبه بكعبه، ولم يتحقق الإلصاق إلا بما قلنا.
وأما الاستدلال بأن ما كان موحدا من خلق الإنسان فتثنيته بلفظ الجمع، ومنه ﴿فقد صغت قلوبكما﴾ وما تعدد بلفظ التثنية، ولو كان كما قال هشام: لقيل إلى الكعاب كالمرافق فرده في البحر بأنه غير متعين لجواز أن يعتبر الكعبان بالنسبة إلى ما للمرء من جنس الرجل وهو اثنان.
وأقول: هذا الاعتبار غير معتبر إذ مقابلة الجمع بالجمع المقتضي لانقسام الآحاد على الآحاد أوجبت غسل يد واحدة ورجل واحدة ووقعت الغاية فيها إلى الكعبين فاقتضى أن في كل رجل كعبين، ووجوب الثانية منهما، إما بالسنة، أو بدلالة النص على ما قيل، وبهذا ظهر سر قول القدوري بعد افتتاحه بالآية الشريفة، ففرض الوضوء غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس فتدبره.
واعلم أن لوقوع الجمع موقع التثنية شروطا نبه عليها السمين، فقال: كل جزأين أضيفا إلى كليتهما لفظا أو تقديرا أو كانا مفردين من صاحبهما جاز فيهما ثلاثة أوجه أحسنها الجمع، ويليه الإفراد عند بعضهم، ويليه التثنية، وقيل: التثنية ثم الإفراد تقول: قطعت رأس الكبشين، ورأسي الكبشين.
(ومسح ربع رأسه) وهو لغة إمرار اليد على الشيء، وعرفا إصابة الماء العضو سواء كان المصاب فيه عضوا، ولو ببلل باق فيه بعد غسل لا مسح أو لا، حتى لو أصابه من المطر قدر الفرض أجزأه، ثم الإجزاء بالبلل الباقي هو المشهور، ومنعه
1 / 31
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحاكم وعامة المشايخ خطؤوه. والصحيح ما قاله الحاكم: فقد نص الكرخي في جامعه الكبير عن الإمام، والثاني مفسرا معللا بأنه إذا مسح رأسه بفضل غسل ذراعيه لم يجز إلا بماء جديد، كذا في إيضاح الإصلاح.
واعلم أن في مقدار فرض المسح روايات أشهرها ما في الكتاب. الثانية: مقدار الناصية اختارها القدوري. وفي الهداية: وهي الربع والتحقيق أنها أقل منه ولذا ذكر الإسبيجابي رواية الناصية ثم قال هذا إذا بلغته ربع الرأس وإلا فلا يصح المسح، وفي البدائع: روى الحسن: أنه الربع وذكر الكرخي والطحاوي أنه مقدار الناصية. الثالثة: مقدار ثلاثة أصابع رواها هشام عن الإمام، قيل: وهي ظاهر الرواية، وفي البدائع: أنها رواية الأصول وصححها في التحفة وغيرها. وفي الظهيرية: وعليها الفتوى، لأن المسح يكون بالآلة، وهي: الأصابع عادة والثلاث أكثرها، وللأكثر حكم الكل لكل نسب في الخلاصة رواية الثلاثة إلى محمد، وعلى ذلك
1 / 32
ولحيته
ــ
جرى في النهاية، قال بعض المتأخرين: ورواها ابن رستم عنه في نوادره وغاية ما يلزم من ذكرها في الأصول: أن يكون ظاهر الرواية عن محمد لا عن الإمام، كما قد يتبادر لنقل الأئمة الثقات كالكرخي والطحاوي عن أصحابنا أنه مقدار الناصية، فإن قلت المذكور في الأصول خال عن نسبة القول إليه قلت: بلى ولكنه محمول على أنه قوله كما في الفتح توفيقا، وعلى هذا فما في الرواية أنه ظاهر المذهب أي: عن محمد وتلك المقدمة الأخيرة أعني: أن للأكثر حكم الكل في حيز المنع هنا، لأن هذا من قبيل المقدار الشرعي بواسطة تعدي الفعل إلى تمام اليد فإنه بهي تقدر قدرها من الرأس وفيه تعتبر عين قدره كعدد ركعات الظهر وقدر بعضهم أنه لا خلاف في اعتبار الربع غير أنهما اعتبرا الممسوح عليها ومحمد اعتبر الممسوح به وهو: عشرة أصابع ربعها اثنتان ونصف غير أن الواحد لا يتجزئ فكمل ويرجح ما قالاه بأن المذكور في النص هو إنما هو: الممسوح عليه فكان بالاعتبار أولى انتهى.
وتفرع على الروايتين: ما لو وضع ثلاثة أصابع ولم يمدها جاز على رواية الثلاثة لا الربع، ولو منصوبة لا لأنه لم يأت بالقدر المفروض وهذا بالإجماع.
أما لو مدها حتى لو بلغ القدر المفروض لم يجز أيضا عند أصحابنا الثلاثة خوفا لزفر وكذا الخلاف في الإصبع والإصبعين إذا بلغ القدر المفروض بالمد، كذا في البدائع وفي الفتح: لم أر في كلامهم في مد الثلاث إلا الجواز انتهى.
وقد وقفت على ما هو المنقول ولم يذكر في ظاهر الرواية ما لو مسح بجوانب إصبع واحدة، وقد قال بعضهم: يجوز وهو الصحيح، وكذا بأطراف أصابعه سواء كان الماء متقاطرا أو لا وهو الأصح، كما في الخلاصة.
(ولحيته): بكسر اللام وفتحها، وأفردها مع دخولها في حد الوجه ميلا إلى
1 / 33
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اختيار وجوب مسح ربعها إن عطفت على رأسه، وهو رواية الحسن عن الإمام أو كلها إن عطفت على ربع وهو رواية بشر عن الثاني هذا مقتضى اللفظ. وإن اقتصر في الكافي على الأول. وثمة ثالثة وهو: مسح ما لاقى البشرة رجحها قاضي خان في شرح الجامع الصغير وعليها جرى في المجمع وفي البدائع.
روى ابن شجاع عن الإمام وزفر: أنه إذا مسح ثلثا أو ربعا جاز، وقال أبو يوسف: إذا لم يمسح شيئا منها جاز وهذه الروايات مرجوع عنها، والصحيح وجوب الغسل، قال في الظهيرية: وعليه الفتوى. ولا خلاف أن المسترسل لا يجب غسله ولا مسحه ولكن يسن، وأن التي ترى بشرتها يجب إيصال الماء إليها.
تنبيه:
قدمنا أن القندوري افتتح كتابه بآية الوضوء ثم قال: ففرض الطهارة غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس، قال بعض المتأخرين: فهذه الفاء سواء كانت لترتيب الحكم على الدليل أو لتعقيب الإجمال بالتفصيل تفصح عن كون المراد بيان فرائض الوضوء المأمور به في الآية، وحينئذ فلا بد أن يذكر النية في جملة الفرائض، إذ لا نزاع لأصحابنا في أن الوضوء المأمور به لا يصح بدون النية إنما نزاعهم في توقف الصلاة على الوضوء المأمور به.
وأشار أبو الحسن الكرخي إلى هذا، وقال الدبوسي: في أسراره وكثير من
1 / 34
وسنته
ــ
مشايخنا يظنون أن المأمور به من الوضوء يتأدى من غير نية، وهذا غلط فإن المأمور به عبادة والوضوء بغير نية ليس بعبادة، وفي مبسوط شيخ الإسلام لا كلام في أن الوضوء المأمور به غير مقصود وإنما المقصود الطهارة وهي تحصل بالمأمور به وغيره لأن الماء مطهر بالطبع انتهى.
أقول: لا نسلم أنهم أرادوا بيان الوضوء المأمور به فقط، إذ الآية كما أفادت كونه مأمورا به أفادت كونه شرطا للصلاة أيضا، والمقصود بيان شرطيته فحيث دل على ذلك ذكرهم النية في السنن فانح السنن، فإنه حسن، (وسننه) ذكر السنن بعد الفرائض إيماء إلى أنه لا واجب في الوضوء، وإلا لذكره مقدما، وأما الوضوء نفسه فقد يكون فرضا وهو: الوضوء للفريضة والجنازة وسجدة التلاوة، وواجبا وهو: الوضوء للطواف ومندوبا: وهو للنوم وبعد الغيبة والكذب وإنشاد الشعر والقهقهة وغسل الميت ومنه الوضوء على الوضوء، كذا في الخلاصة زاد الهندواني في مختصره المسمى بالشامل والنظر في محاسن المرأة والاختلاف في النقض، ولوقت كل صلاة والتقيير بالفريضة يخرج النافلة مع أنه قد مر وجوبه عند ارادتها، وبالترك يسقط والظاهر أنه عنى به ما يعاقب على تركه وأفرد الفرائض وجمع السنن؛ لأنها وإن تعددت فهي متحدة حكما، حيث لا يعتد ببعضها عند فوات البعض الآخر.
أما السنن فكل منها مستقل حكما إذ كل واحدة منها تعد فضيلة، وإن لم توجد الأخرى، وهي لغة: الطريقة مطلقا، وعرفا: الطريقة المسلوكة في الدين، كذا في العناية لكنه غير مانع لصدقه على المستحب، وقد أخذ مقابلا للفرض والواجب. وقال في غاية البيان: هي ما في فعله ثراب وفي تركه عتاب لا عقاب وأيده بعض المتأخرين بأنه المعنى المناسب للمقام، وهو وإن كان تعريفا بالحكم إلا أن الفقهاء يتسامحون في التعريف به لما أن الأحكام هي محط مواقع أنظارهم.
1 / 35
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وفي فتح القدير: هي ما واظب عليه النبي ﷺ مع الترك أحيانا، وفيه بحث من وجوه:
الأول: ليس كلما كان كذلك يكون سنة بل لا بد أن يكون على وجه العبادة، كما قيده به في إيضاح الإصلاح ليخرج ما كان كذلك على وجه العبادة.
الثاني: لا بد أن يقال: وكانت من خصائص تلك العبادة لأن عدم الاختصاص ينافيها، ومن ثم كان السواك مندوبا في الوضوء لعدم اختصاصه به.
الثالث: لا بد أن يزاد وواظب عليها الخلفاء بعده، ليدخل التراويح إذ قد أطبقوا على أن سنيتها لمواظبة الخلفاء عليها. وما في السراج هي: ما فعله ﵊ أو واحد من أصحابه فتعريف لمطلق السنة والكلام في المؤكدة.
الرابع: لا بد أن يقيد الترك بكونه لغير عذر، كما في التحرير ليخرج المتروك بعذر كالقيام المفروض، وكأنه إنما تركه لأن الترك لعذر لا يعد تركا، ثم هذا كله ظاهر في أن المواظبة دون ترك تفيد الوجوب، وهو مخالف لاستدلالهم على سنية اعتكاف العشر الأخير من رمضان بأنه ﷺ واظب عليه حتى توفاه الله تعالى كما في الصحيح. وأشار في الفتح إلى الجواب: بأنها لما اقترنت بعدم الإنكار على من لم يفعل كانت دليل السنية، وأن لا يكون دليل الوجوب، وأوضحه في الحواشي السعدية بأنه لما لم ينكر على التارك كان في حكم التارك؛ إذ الترك كان لتعليم الجواز وعدم الإنكار للتارك يفيد تعليم الجواز فيكون المراد مع الترك أحيانا حقيقة أو حكما، انتهى.
أقول: وينبغي أن يقيد هذا بما إذا لم يكن ذلك الفعل المواظب عليه مما اختص وجوبه به كصلاة الضحى، أما إذا كان عدم الإنكار على من لم يفعل لا يصح أن ينزل منزلة الترك. بقي هذا أن التقرير خاص بالفعلية فيخرج عنه ما ثبت بقوله: وهو من السنن كثير، وقد أثبتوا كما سيأتي سنية غسل اليدين في ابتداء الوضوء بالنهي عن الغمس قبل الغسل ثلاثا، وقول بعضهم لما نهي عنه فالظاهر أنه
1 / 36