Nafha Zakiyya
النفحة الزكية في تاريخ مصر وأخبار الدولة الإسلامية
Genre-genre
في تجزؤ مصر وإغارة الإثيوبيين والآشوريين عليها
وبعد حرحور أراد ورثاؤه أن يوطدوا سلطتهم على جميع أنحاء المملكة، فعارضهم في ذلك أمراء الوجه البحري، وأسسوا بمدينة تنيس العائلة الحادية والعشرين، واستقل القسس وهم كهنة آمون بالوجه القبلي بمدينة طيبة، فانقسمت مصر حينئذ إلى حكومتين، ووقعت فيها الحروب الداخلية فسقطت شوكتها الخارجية، وامتنع أمراء الشام من دفع الجزية، حيث كان أغلبهم انضم إلى مملكة بني إسرائيل، التي كانت قد بلغت غاية عظمها إذ ذاك في عهد داود وسليمان عليهما السلام، ثم قام رجل من رؤساء الجيوش بالوجه البحري شامي الأصل يدعى شنشق، فتغلب على السلطة الملوكية وأسس العائلة الثانية والعشرين، ثم وطد سلطته على جميع بلاد مصر وطرد القسس من طيبة وألجأهم إلى بلاد الإثيوبية الممتدة في جنوب مصر، فأسسوا فيها مملكة مستقلة تخت ملكها مدينة نباتة على بعد 900 كيلومتر من الشلال الأول.
غير أنه بعد شنشق ابتدأ انحطاط مصر ثانيا في عهد خلفائه، فأخذت في التجزئة ثانيا، وتلقب بالألقاب الفرعونية عشرون أميرا من أمرائها، منهم اثنا عشر بالوجه البحري، وكونوا العائلة الثالثة والعشرين، إلا أن أحدهم المدعو تفنخت أمير صا الحجر بالوجه البحري شرع في التغلب عليهم وتأسيس العائلة الرابعة والعشرين، فقاوموه واستعانوا عليه بملك الإثيوبية بعنخى الذي من ذرية حرحور، فحضر بعنخى إلى مصر واستولى عليها، ولكن بعد موته ولى المصريون بوكنرو أوبوكوريس بن تفنخت ملكا عليهم، ولكنه بعد أن حكم سبع سنوات أغار عليه ملك الإثيوبية شاباك أو سباكون حفيد بغنخى وتملك على مصر وأسس فيها العائلة الخامسة والعشرين. غير أنه في ذلك الوقت كان قد قام بوادي الدجلة والفرات مملكة آشور التي تخت ملكها بمدينة نينوى على شاطئ الدجلة، وكانت هذه الدولة قد بلغت غاية عظمها، ووصلت إلى أعلى شوكتها حتى صارت هي الدولة المتسلطنة في الشرق، فامتدت سلطتها على جميع البلاد الممتدة بآسيا من بحر الخزر إلى خليج العجم، ومن نهر الدجلة إلى البحر الأبيض المتوسط حتى صارت مجاورة تقريبا لمصر، فأراد سباكون أن يتداخل في أمور الشام ضد ملكها سرجون، فانهزم وهرب إلى بلاد الإثيوبية ولما تملك على مصر طهراقه الإثيوبي بعده، وأراد أن يدخل بلاد الشام أيضا، هزمه آشوراخي الدين ملك آشور وأخذ منه مصر التي تملك عليها من بعده ابنه آشور بابنبال.
المطلب الثالث
في تجدد مجد مصر ورونقها القديم
وبعد أن تخلصت مصر من الإثيوبيين والآشوريين بقيت في أيدي أمرائها العشرين الذين منهم اثنا عشر مكونون بالوجه البحري لحكومة تعاهديه تسمى بالمقاسمة الاثني عشرية، وكان من هؤلاء الأمراء ملك صا الحجر الذي من ذرية تفنخت المدعو بسامتيك الأول، فتغلب عليهم وأسس العائلة السادسة والعشرين التي كانت من أشهر عائلات مصر؛ فإن أيامها كانت كثيرة الخيرات والعمران، وفي عهدها كانت مصر زاهية زاهرة، قد قامت من دمارها وأصلحت فيها الطرق والترع والآثار، وعادت إلى الفتوحات، وفتحت أبوابها للتجار الأجانب وخصوصا اليونانيين، وردت إلى الصناعة حركتها الأولى، ورجع للفنون رونقها القديم، بل وامتازت تماثيل ذاك الوقت بدقة صنعتها وحسن بهجتها، وظهر بمصر في ذاك الحين كتابة أوجز وأبسط من الكتابة الهيروغليفية وأسرع منها تعرف بالكتابة الديموطيقية؛ أي العامية؛ لأنها كانت معروفة عند العامة، فانتشرت المؤلفات الأدبية والعلمية بمساعدة هذه الكتابة.
وقد خلف بسامتيك الأول ابنه نخاو الثاني، فشرع في توصيل البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط بواسطة أحد أفرع النيل، فلم تتم العملية، وكلف جماعة من الفينيقيين الذين كانوا في ذاك الوقت أشهر الأمم في الملاحة بالسياحة حول أفريقيا، فداروا حولها في مدة ثلاث سنوات مبتدئين من البحر الأحمر راجعين من بوغاز جبل طارق، ثم عزم هذا الملك على الدخول في بلاد الشام والتملك عليها. غير أنه في ذاك الوقت كانت مملكة بابل التي قامت بشواطئ الفرات وخلفت مملكة آشور في حكم آسيا، قد وصلت إلى غاية شوكتها ونهاية رفعتها، وامتدت أيضا من جنوب وادي الدجلة والفرات إلى البحر الأبيض المتوسط، فهزم ملكها بختنصر نخاو الثاني فالتزم نخاو بعقد الصلح معه، ثم خلف نخاو ابنه بسامتيك الثاني، ثم وح أبرع أوابرياس ابن بسامتيك، فأرسل جيوشه لفتح برقة بجهة تونس، فانهزمت عساكره، وأقاموا راية العصيان، وولوا أحد رؤساء الجيوش المدعو أحعمس أو أماسيس ملكا عليهم، فلما رجع تحارب مع الملك وهزمه وتولى هو ملك مصر، فحافظت مصر في عهد على رونقها وبهجتها. غير أنه في ذلك الوقت كان قد قام بآسيا مملكة العجم، وكانت هذه الدولة قد أدخلت في حوزتها جميع الممالك الواقعة في غرب نهر السند كمملكتي مادي وبابل اللتين قامتا على أثر مملكة آشور ومملكة ليديه القائمة بآسيا الصغرى وغيرها، حتى صارت هي الدولة المتسلطنة بآسيا الغربية جميعها، وقد امتدت من نهر السند إلى بحر الأرخبيل والبحر الأبيض المتوسط حتى صارت مجاورة تقريبا لمصر، فعزم أحد ملوكها المدعو كمبيز بن كيروش على فتوح هذه المملكة أيضا، فحضر إليها وقت موت أحعمس وإقامة ابنه بسامتيك الثالث ملكا عليها، فحاربه وأخذها منها، وأسس فيها العائلة السابعة والعشرين، وهي مبدأ الدولة الفارسية بمصر.
المطلب الرابع
في الدولة الفارسية بمصر
قد امتد حكم هذه الدولة على مصر نحو القرنين تقريبا (1147-954ق.ه)، وكان أول ملوكها بها الملك كمبيز الذي أغار عليها في عهد بسامتيك الثالث، فلما شرع هذا الملك في الإغارة عليها عقد معاهدة مع مشايخ قبائل العرب الذين لهم اليد على الطريق الموصلة إلى وادي النيل من صحراء برزخ السويس؛ ليرخصوا له بالمرور منها ويأتوا بالماء لجيشه، فسارت جيوشه في تلك الصحراء، حتى حلت أمام مدينة الطينة أو الفرما، فانتشبت الحرب بينهم وبين جيوش بسامتيك هناك، وقاوم اليونانييون المستأجرون في الجيشين مقاومة عظيمة، ثم انهزمت جيوش المصريين إلى مدينة منف لكثرة جيوش العجم، فأرسل إليهم ملك العجم رسلا ليسلموا المدينة ويذعنوا له بالطاعة، فلم يقبلوا منه وقتلوا الرسل، فغضب ملك العجم، وحضر بجيوشه إلى هذه المدينة وأحاط بقلعتها، وأقام محاصرا لها حتى استولى عليها عنوة، ووقع بسامتيك وجميع أمراء المملكة أسراء في قبضته، فقتلهم أمام بسامتيك، ثم أراد أن يقيمه ملكا على مصر بالتبعية له، لولا أن بلغه أنه عصب عليه عصبة، فقتله أيضا، وسلم حكومة مصر إلى أرياندس الفارسي.
Halaman tidak diketahui