حظي بتعداد هذه العلوم، فكان بها من غيره أقعد. فذلل جوامحها وسهل طوامحها وأرسل لواقحها، وأسأل بأعناق المَطِيِّ أباطحها (١) واستلان صعبها، وأبان لمن ظن بُعدَها قربَها: كان حقًا على طالب هذا الشان أن يلحظ من حقوقه واجبها، ويحفظه حفظ الأكف رواجبها (٢) فاتفق من مدة أنه قرئ رواية فلم يخلُ مجلس الرواية والسماع من فائدة تستفاد، ونكتة ربما تُستجاد، مما نقلته من كتاب أعزوه إليه، أو سمعته من عالم أرويه عنه، مما حضرتي ذكْرُ قائله أو غاب عني -لبعد العهد به- اسم ناقله، أو مما جاء به الذهن الركود (٣) وجادت به القريحة وقل أن تجود، أو مما أنتجته المذاكرة واستحضرته المحاضرة. فكنت أرى من ذلك تقييد ما أَسْتحسِنُه، ولست أضمن (٤). أن يَمُر بي داء وَرِم (٥)، يُمرّ لي، فأستَسْمِنُه (٦) ثم عن لي أن أضم لتلك الفوائد ما يضارعها، ليشفع ماضيها مضارعها، ويجمعها تعليق، من طلبها به

(١) الأباطح جمع أبطح وهو المسيل الواسع فيه دقاق الحصى، وأبطح مكة مسيل واديها/ مختار الصحاح/ ٥٥ والنهاية ١/ ١٣٣، ١٣٤. (٢) جمع "راجبة" وهي ما بين عقد الأصابع من الداخل، أو مفاصل الأصابع/ النهاية، والمعجم الوسيط/ مادة: رَجَبَ. (٣) صيغة مبالغة من ركد إذا سكن ولم يتحرك/ النهاية ٢/ ٢٥٨ ومختار الصحاح / ٢٥٤. (٤) [أضمن] متكررة بالأصل مرتين. (٥) وَرِمٌ، مبالغة من أَوْرَمهُ، إذا ساءه وأغضبه/ تاج العروس ٩/ ٩٢ ومعنى العبارة فيما يبدو: ولست أضمن أن يعرض لي مرض مسيء يكدرني. (٦) كذا ضبطت بالأصل، والمعنى: أظنه سمينا، من استسمن الشيء عده سمينا، وفي المثل: استسْمَنت ذا ورَم، يضرب لمن يغتر بالظاهر المخالف لحقيقة الواقع/ المعجم الوسيط ١/ ٤٥١ مادة "سمن".