( فلا تقل لهما أف ) (1) لما تناول النهي عن التأفيف بلفظه ، وكان بأن يتناول سائر المكروه أولى ، لم يجز أن يتبعه ويلحقه بأن يقول : «لا تقل لهما أف واضربهما واشتمهما ؛ لأنه نقض لما تقدم ، فبان أن قوله عليه السلام : «في سائمة الغنم الزكاة» ليس بتناوله للمعلوفة أولى.
والذي يدل على أن اللفظ لا يدل على ما لا يتناوله ولا يكون بالتناول أولى أنه لو دل على ذلك لم ينحصر مدلوله ؛ لأن ما لا يتناوله اللفظ لا يتناهى ، وليس بعضه بأن يدل عليه اللفظ مع عدم التناول بأولى من بعض.
ومما يدل أيضا على ما ذكرناه حسن استفهام القائل : «ضربت طوال غلماني ولقيت أشراف جيراني» فيقال : «أضربت القصار من غلمانك أو لم تضربهم؟ ، ولقيت العامة من جيرانك أو لم تلقهم؟» ، فلو كان تعليق الحكم بالصفة يقتضي وضعه نفي الحكم عما ليس له تلك الصفة كاقتضائه ثبوته لما له تلك الصفة ، لكان هذا الاستفهام قبيحا ، كما يقبح أن يستفهمه عن حكم ما يتعلق اللفظ به ، فلو كان الأمران مفهومين من اللفظ ، لاشتركا في حسن الاستفهام وقبحه.
فإن قيل : إنما يحسن الاستفهام عن ذلك لمن لم يقل بدليل الخطاب ، فأما من تكلم بما ذكرتموه من الذاهبين إلى دليل الخطاب فهو لا يستفهم عن مراده إلا على وجه واحد ، وهو أن يكون أراد على سبيل المجاز خلاف ما يقضيه دليل الخطاب ، فحسن استفهامه لذلك.
قلنا : حسن استفهام كل قائل أطلق مثل هذا الخطاب معلوم ضرورة ، سواء علمنا مذهبه في دليل الخطاب أو شككنا فيه ، وأهل اللغة يستفهم بعضهم بعضا في مثل هذا الخطاب ، وليس لهم مذهب مخصوص في دليل الخطاب. فأما تجويزنا أن يكون المخاطب عدل عن الحقيقة إلى المجاز ، وأن هذا هو علة حسن الاستفهام ، فباطل ؛ لأنه يقتضي حسن دخول الاستفهام في كل كلام ؛ لأنه لا كلام نسمعه إلا ونحن نجوز من طريق التقدير أن يكون المخاطب به أراد
Halaman 170