ويدل أيضا على ذلك أن من المعلوم أن لا يحسن أن يخبر مخبر بأن زيدا طويل إلا وهو عالم بطوله ، فلو كان قوله : «زيد طويل» كما يقتضي الإخبار عن طول زيد ، يقتضي نفي الطول عن كل من عداه ، لوجب أن لا يحسن منه أن يخبر بأن زيدا طويل إلا بعد أن يكون عالما بأن غيره لا يشاركه في الطول ويجب أن يكون علمه بحال غير المذكور شرطا في حسن الخبر ، كما كان علمه بحال المذكور شرطا في حسن الخبر ، ومعلوم خلاف ذلك.
وأيضا ؛ فإن ألفاظ النفي مفارقة لألفاظ الإثبات في لغة العرب ، ولا يجوز أن يفهم من ألفاظ الإثبات النفي كما لا يفهم من لفظ النفي الإثبات ، وقولنا : «زيد طويل» لفظه لفظ إثبات ، فكيف يعقل منه نفي الحكم عن غير المذكور ، وليس هيهنا لفظ نفي.
ويمكن أن يستدل بهذه الطريقة خاصة على أن تعليق الحكم بصفة لا يدل على نفيه عما ليست له ، من غير حمل الصفة على الاسم.
وربما قوى أيضا ما ذكرناه بأن أحدا من العلماء لم يقل في ذكر الأجناس الستة في خبر الربوا أن تعليق الحكم بها يدل على نفي الربوا عن غيرها ؛ لأن العلماء بين رجلين : أحدهما : يقول ببقاء غير هذه الأجناس على الإباحة ، والآخر : يقيس عليها غيرها.
فإن تعلق من سوى بين الاسم والصفة بأن جماعة من أهل العلم استدلوا على أن غير الماء لا يطهر كالماء بقوله تعالى : ( وأنزلنا من السماء ماء طهورا ) (1)، فنفوا الحكم عن غير الماء وهو معلق بالاسم لا بالصفة.
فالجواب : أن من فعل ذلك فقد أخطأ في اللغة ، وقد حكينا أن في الناس من يسوى مخطئا بين الاسم والصفة في تعلق الحكم بكل واحد منهما.
ويمكن أن يكون من استدل بهذه الآية إنما عول على أن الاسم فيها يجري مجرى الصفة ؛ لأن مطلق اسم الماء يخالف مضافة ، فأجراه مجرى كون الإبل سائمة وعاملة.
Halaman 168