170

ومما قيل في ذلك أيضا : إن الله تعالى علم أن سيكون في هذه الأمة مبتدعون يذهبون في القرآن المسموع المقرؤ ، بأنه ليس بكلام الله تعالى ، وأن كلامه على الحقيقة غيره ، فأراد تعالى بذكر هذه الحروف التنبيه على أن كلامه هذه الحروف ، وأن ما ذهبوا إليه من أن كلامه تعالى غير هذا المسموع باطل مضمحل.

وهذا أيضا ليس بشيء ؛ لأن من ذهب إلى أن كلامه تعالى ليس حقيقة (1) في ذاته بما يسمع ويقرأ ، وجعل هذا القرآن عبارة وعلة وحكاية على اختلاف عباراتهم لا بحجة (2) ويبطل قوله أن يورد عليه هذه الحروف المقطعة ، فانه إذا جاز أن يقول في المركب من هذه الحروف أنه غير المسموع وأنه في النفس ، جاز أن يقول في المفرد مثل ذلك ، فإن الشبهة في الامرين قائمة ، وإنما يزال إذا أزيلت بغير هذه الطريقة.

وقيل في ذلك : إن الله تعالى أقسم بهذه الحروف لعظمتها وجلالتها وكثرة الانتفاع (3) بها ، وأنها مباني أسمائه الحسنى ، وبها أنزل تحيته على أنبيائه ، وعليها تدور اللغات على اختلافها ، فكأنه تعالى قال : وحروف المعجم فقد بين لكم السبل وأنهج الدلالة ، فحذف جواب القسم لعلم المخاطبين به ؛ ولأن قوله تعالى : ( ذلك الكتاب لا ريب فيه ) يدل على الجواب ويكفي منه ، ويجري مجرى قوله تعالى : ( والنازعات غرقا ) (4) في أن جواب القسم محذوف ، والتأويل والنازعات غرقا لتبعثن أو لتعرضن على الله ، فحذف الجواب ؛ لأن قوله تعالى : ( أإذا كنا عظاما نخرة ) (5) يدل عليه ، وقوله تعالى : ( والسماء ذات البروج ) (6) و ( والشمس وضحاها ) (7)؛ فحذف الجواب إذا كان عليه دال سائغ في اللغة.

وإن كان بعض النحويين قد ذهب إلى أن جواب ( والسماء ذات البروج ) ( قتل

Halaman 288