123

علم الله سبحانه أنه لا يفعل القبيح منفردا ولا مجتمعا ، وأنه لو انفرد لكان قوله الحجة ، وإنما نفتي بأن قول الجماعة التي قوله فيها وموافق لها حجة لأجل قوله ، لا لشيء يرجع إلى الاجتماع معهم ، ولا يتعلق بهم. ومن خالفنا يعلل مذهبه بأن الله تعالى علم أن جميع هذه الأمة لا تتفق على خطأ ، وإن جاز الخطأ على كل واحد منها بانفراده ، فللإجماع تأثير بخلاف قولنا أنه لا تأثير له. فأما نحن فنستدل على صحة الإجماع وكونه حجة في كل عصر بأن العقل قد دل على أنه لا بد في كل زمان من إمام معصوم ، لكون ذلك لطفا في التكليف العقلي وهذا مذكور مستقصى في كتب الإمامة ، فلا معنى للتعرض له هيهنا (1) وثبوت هذه الجملة يقتضي أن الإجماع في كل عصر حجة ، وهذه الطريقة من الاستدلال لا توافق مذاهب مخالفينا ؛ لأن الأصل الذي بنينا عليه هم يخالفون فيه ، ولو تجاوزوا عنه لكان ثبوت الحجة بالإجماع على هذا الوجه ينافي مذاهبهم في أن لإجماع الأمة تأثيرا في كونه حجة ، وأن بعضهم في هذا الحكم بخلاف كلهم. فأما ما يستدلون هم به على كون الإجماع حجة فإنما نطعن فيه نحن ؛ لأنه لا يدل على ما ادعوه ، ولو دل على ذلك لم يضرنا ، ولا ينافي مذهبنا ؛ لأن شهادة القرائن أو الآيات بأن الأمة لا تجتمع على ضلال ، نحن نقول بفحواه ومعناه وليس في الشهادة بذلك تعليل ينافي مذهبنا ، كما كان ذلك في تعليل قولنا : إن الاجماع حجة واستدلالنا عليه ، فبان بهذا الشرح الذي أطلناه هيهنا ما يحتاج إليه في هذا الباب ، وإذا كنا قد دللنا على كيفية كون الإجماع حجة على مذهبنا ، فينبغي أن نعطف إلى ما تعلق به مخالفونا فنورده ، ثم نتكلم عليه ، ونحن لذلك فاعلون.

Halaman 241