لقد انتهت! فليكن أجرم فليجرم! فليكن الثمن حياتها نفسها فلن يبكي مرة أخرى. إنها المقادير، مقاديرها وحظها رتبت كل شيء. الازدحام عند باب السيدة زينب، والدفعة التي جاءتها فجأة من الخلف، وفي نفس اللحظة التي كانت ساقها لا تزال لم تصل بعد إلى الأرض. واعتقدت تماما أنها ساقطة لا محالة، وأصبح رجاؤها كله ألا يرتطم رأسها بالبلاط المربع الكبير، ولكنه الترتيب المحكم، وبالضبط وهي تهوي وقد سلمت بالكارثة المحققة، تأتيها اليد وكأن ليس لها صاحب، يد من السماء ربما توقف لولا سقوطها، وحين تفقد التوازن كنتيجة لهذا تأتيها الذراع قوية مشمرة تلتف حولها، ولومضة، لومضة سريعة تشعرها، ربما منذ زمن بعيد، حتى قبل أن يموت زوجها، أنها في أمان كامل، ذلك الأمان.
لم تسقط ولم يكسر لها ساق أو قدم.
ولكن السيدة - أم هاشم وأم العواجز - على حق. أنا محقوقة لك يا سيدة حقك علي. الشنطة! ها هي اليد الأخرى تقدمها. وحين ذاك فقط تبدأ تدرك أن يده الأولى لا تزال تحيطها وتحتضنها. ومع الشكر والتراجع وارتباك الإفاقة من مصير محتوم، ماذا قال؟ لا تعرف. في النهاية نظرت في وجهه، والمفاجأة أنها كانت طوال الوقت تخاطب وتعامل وتشكر رجلا، ولكن هذا ... إنه ... إنه بالكاد له شارب. - بتعيط ليه؟ أنا عملت حاجة؟ أنا زعلتك؟ - زقتيني. - ودي تزعل؟ - أيوه بقوة وكره. إنتي بتكرهيني. إنتي عايزة أفندي واللا بيه غني ومعتبر. وأنا فقير، والفقير عندكم ما عندوش إحساس.
وتفجرت رغما عنه، أو ربما برضاه، دمعة.
واحتضنته.
إنه لا يفهم.
مستحيل أن يفهم.
كيف يفهم؟
بأي قوة تستطيع أن تطلعه على ذلك الشعور الذي لا يقاوم، والذي جعلها تنسى أي شيء إلا أنها وجدته، وأنه في تلك اللحظة بالذات أعز عليها من الدنيا بما عليها. - أعمل إيه علشان تصدقني؟ - ما تزقنيش. - بس أنا يا ابني زي أمك. - أمي ماتت من عشر سنين. أنا زي ما أنت شايفة يتيم.
واختنق حلقه بدموع تريد التحول إلى كلمات، وكلمات تصدر عن إحساس في نفسه، إحساس كبير كالقصر المهجور الذي دبت فيه الحياة فجأة. في نفس اللحظة التي أحاطها بذراعه وأحس بجسدها، وإن لم يكن سمينا رجراجا إلا أنه «هوانمي» طري، ناعم حتى من خلال ملابسها الكثيرة الحريرية السوداء. كان ممكنا أن يتقبل الشكر ويمضي، ولكنه توقف، تلكأ، تمنى لثانية أن تحتاج إليه.
Halaman tidak diketahui