إنما سمى تلك البقعة المباركة روضة؛ لمعنيين:
أحدهما: أن زوار قبره ﷺ، وعمار مسجده من الملائكة والجن والإنس- مكبون فيها على ذكر الله وعبادته؛ إذا صدر منها فريق، حل بها آخرون، وقال ﷺ: (إذا مررتم برياض الجنة، فارتعوا)، قيل: يا رسول الله: وما رياض الجنة؟ قال: (حلق الذكر).
والآخر: أن من شهدها- لمجاورة، أو زيارة، أو اعتكاف- أفضى به ذلك إلى روضة من رياض الجنة؛ ويقرب من هذا المعنى: قوله ﷺ: (ومنبري على حوضي) أي: على حافته وعقره؛ فمن شهده مستمعا إلي أو متبركا بذلك الأثر شهد الحوض [٧٠/ب].
ثم إنه ﷺ نبه بهذا القول على المناسبة الواقعة بين المنبر والحوض، وهي: أن المنبر مورد القلوب الصادية في بيداء الجهالة؛ كما أن الحوض مورد الأكباد الظامية من حر القيامة، وهما متلازمان لا مطمع لأحد في الآخر دون انتفاعه بالأول، وفي الحديث أن النبي ﷺ قال: (إن منبري هذا على ترعة من ترع الجنة)، والترعة: الباب.
ويقال: الروضة إذا كانت على مكان مرتفع، ويقال: الدرجة.
ويروى: (على ترعة من ترع الحوض)، والترعة: أفواه الجداول.
وقيل: ترعة الحوض مفتح الماء إليه؛ وذلك لصحة المناسبة بينهما.
هذا ونحن لا نقطع بشيء من هذه الأقاويل؛ بل نذهب فيها مذهب الاستنباط والتأويل، ونعتقد أن المراد منه على ما أراده رسول الله ﷺ هو الحق وإن لم تهتد إليه أفهامنا، ولم تسع له عقولنا.
[٤٦٥] ومنه: حديث جابر- ﵁: (أراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد ... الحديث).