الذين كفروا يضلون به ، وهذا مما لا نأباه ، لأن الكفار قد يضلون غيرهم بكفرهم وبالزيادة فى كفرهم.
فإذا قرئ : ( يضل به الذين كفروا ) فالكلام أبين ، لأنه إنما يدل على أن الكفار يضلون به ، من غير بيان إضافة الإضلال إلى غيرهم ، فلا ظاهر للكلام يقتضى ما قالوه.
« والمراد بذلك ما كانوا يشتغلون به (1) فى باب الحج من تأخير شهر لشهر فى توالى السنين ، وهو النسيء الذى جعله تعالى زيادة فى الكفر ، وبين أن ذلك مما يضل به الكفار ويضلون به غيرهم ، من حيث يحلونه عاما ويحرمونه عاما ؛ لأن إقدامهم على ذلك مع الرد على الرسول عليه السلام ، من حيث كان يدعوهم إلى خلافه ، كفر لا محالة ؛ لأنه لا يجوز أن يصفه تعالى بأنه زيادة فى الكفر ، وليس بكفر ، لأن الزيادة فى الشيء يجب أن تشاركه فى اسمه ومعناه ، حتى تكون زيادة فيه ، ولذلك لا يقال فى المباح والطاعة إنهما زيادة فى الكفر ، ولا يقال فى المعصية التى ليست بكفر : « إنها زيادة فى الكفر ، (2) وإنما يقال فيها : إنها زيادة فى معاصيه.
وهذه الآية تدل على أن فى أفعال الجوارح ما يكون كفرا ، لأن النسيء على ما ذكرناه من أفعال الجوارح ، وقد جعله تعالى كفرا ، فإذا صح ذلك لم يمتنع فى تركه الواقع بالجوارح أن يكون إيمانا.
وقوله من بعد : ( زين لهم سوء أعمالهم ) (3) فقد بينا القول فى مثله ، وأنه لا ظاهر له (4).
Halaman 328