قالت: لقد توقعت مصابا حين رأيتكما، إذن أنت لا تحبني. - بل أعبدك. - إذا كان الأمر كذلك فكيف تقول إن زواجنا مستحيل؟ - لأن زواجنا معلق على مصير بوفور المتهم بقتل أبي. - إنه بريء، وستعرف المحكمة خطأها، ومهما يكن من مصير بوفور الذي أحبه؛ لأنه أنقذني من الموت فأية علاقة له بزواجنا؟ - لا يحق لي أن أطلعك على هذا السر، ولكن لا بد أن تقفي عليه بعد بضعة أيام، أما الآن فإن أخاك يريد أن يثبت لي براءة بوفور، وأنا أعتقد أنه مجرم، وهو يقول إن لديه براهين تثبت براءته ولكنه لا يستطيع إظهارها، وأنا أقول إني لا أقنع من غير برهان، فاحكمي بيننا.
فقالت لأخيها: أحق أن زواجنا موقوف على براءة بوفور؟
فأومأ برأسه إشارة إلى الإيجاب، فقالت: كيف تكتم عني هذه الصلة بيننا وبينه؟
قال: ستخبرك أمك يا مودست. - وما زلت تعلم أن زواجنا موقوف على براءة بوفور، وتقول إن لديك براهين تثبت براءته فما يمنعك عن إظهارها؟ - الشرف يا مودست فلا تلحي علي. - لا أعلم كيف يمنعك الشرف عن إنقاذ بريء! - بربكما لا تلحا علي، فلا أستطيع القول. - اذكر يا أخي أن حياتي موقوفة على كلمة من فمك، وأني ألقيت بنفسي في النهر، وأني لولاك لكنت في عداد الأموات، أتنتزع مني حياتي بعد أن أنقذتها؟
وقال روبير: اذكر أن أبي كان يحبك، وأنه لو عاش لكان أسعد إنسان بزواجي. - إنكما تعذبانني عذابا لا يحتمله بشر على علمكما أني لا أستطيع أن أقول شيئا. - واذكر أيها الصديق أنه يوجد بريء يتألم ومجرم قاتل يتنعم، فإذا كتمت أمره ألا تكون شريكا له بالجريمة؟ - روبير، روبير! - نعم، إنك تكون شريكه بالجريمة، وإن الجاني يضحك الآن عليك وعلينا؛ لأنه واثق من كتمانك وشرفك، وكيف يكون شريفا من يساعد القتلة واللصوص على الفرار ويرضى بمعاقبة الأبرياء.
وقد قال قوله الأخير بلهجة تبين فيها الغضب، فقال له جيرار: إني أغفر لك يا روبير وأنسى كل ما قلته لي، وأغفر لك أيضا يا أختي ما توعدتني به من الانتحار؛ فقد مزقت قلبي.
ثم خرج ببطء من الغرفة وبقيت مودست فيها مع روبير، فقالت له: إذن لقد انتهى كل شيء بيننا. - نعم، وا أسفاه! ألم تسمعي ما قاله أخوك؟! - ومع ذلك فإنك تحبني؟ - لو كان أبي حيا لأخبرك بما لقيته من البأس حين كانت أمك تعارض في زواجنا. - إذا كان الأمر كذلك فإنك لا تمتنع عن إجابتي على سؤال أعرضه عليك. - ما هو؟ - أية علاقة بين زواجنا وبين مصير بوفور؟ - أتريدين أن تعلمي؟ - نعم، لقد مللت من هذه الأسرار المحدقة بي. - إذن فاعلمي أن بوفور هو أبوك. - بوفور أبي؟ أبي قاتل أبيك!
وقد اصفر وجهها حتى خشي روبير أن يغمى عليها، وأسرع يحاول نجدتها ولكنها صدته، وقالت: لا تخف فإني قوية، ولكن أنت مسكين، روبير ... يالله من هذا الهول.
ثم شمخت برأسها أنفة، وقالت: إذا كان بوفور أبي فقد صدق جيرار ولا يمكن أن يكون أبي من المجرمين. - إذن لماذا لا ينقذه؟ - لا أعلم يا روبير؛ فإن ذلك منوط بضميره الذي لا يطلع عليه غير الله.
كان روبير قد أتى ليتعزى عن نكبته ففوجئ بنكبة أشد، أتى وملء قلبه الرجاء بالزواج فإذا به يجده من المستحيلات، وقال له جيرار: إن بوفور بريء ولكنه لم يأت ببرهان، فعاد إلى منزله وهو أشد الناس نكدا وقنوطا.
Halaman tidak diketahui