قال: إن الذعر الذي يبدو في عينيك يقول بأفصح لسان هذا أكيد. - والمسدس الذي وجد في الغابة؟ - إنه جريمة أخرى تضاف إلى جريمتك؛ فقد كنت عند النوتير حين قبض منه فولون المال، فتركته مع بوفور وعدت إلى المنزل وأنتما تقيمان فيه معا فسرقته وتركته بعد الجناية في ساحة القتل كي يعرف ذلك المنكود به وليتهم بدلا منك. - لماذا أعرض بوفور لهذه التهمة؟ - سوف أعلم، وقد تكون فعلت ذلك لتبعد التهمة عنك، ربما يتيسر لك الفرار أو لأنك تكره بوفور بعد أن خسرت مالك في شركته، والآن فإني أعتقد أنك أنت القاتل، فادحض براهيني إذا استطعت. - أية فائدة من دحض البرهان؟ - افترض أني قاضيك، وأني أشكوك أتجيبني هذا الجواب التافه أم تدافع عن نفسك؟ - ولكنك لست بقاض. - إن الطبيب قد يكون قاضيا في بعض الأحيان. - إنك تغتنم فرصة ضعفي لتهينني، ولو كنت في عافيتي لقذفت بك إلى الخارج. - ليس هذا الجواب، فقل لي من الذي جرحك، إلا إذا أردت أن أخبر قاضي التحقيق بأمرك فيسألك عني هذا السؤال. - لقد قلت لك إن الشرف يمنعني عن ذكر اسمه. - لو كان قولك صحيحا لما امتنعت عن أن تبوح لي به، وأنت تعلم أن سرك يدفن في صدري، إني إذا شئت أقسمت ألا أبوح به لأحد. - هذا محال. - إذن قل لي أين كنت ليلة الجريمة؟ - إذا قلت لك أين كنت أكون قد بحت لك بالسر. - تكتم قدر ما تشاء فسيتولى غيري سؤالك. - من هو؟ - قاضي التحقيق.
فجلس في سريره وقال: كلا، إنك لا تفعل هذا. - من يمنعني؟ - أنا. - كيف؟ - بتذكيرك أنك طبيب، وأنك لا تقف على سري إلا حين مزاولة مهنتك، فشرف المهنة يدعوك إلى التقيد بهذا السر، وأنت تعرف ذلك أكثر مني، فليس علي أن أرشدك إلى واجباتك.
وكان جيرار يعرف هذا الواجب؛ فإن المؤتمر الطبي تناقش في واجبات الطبيب، وطرح عليه هذا السؤال وهو: «إذا اتفق أن رجلا بريئا اتهم بجريمة هائلة وأن أحد الأطباء عرف الجاني الحقيقي حال ممارسة مهنته؛ هل يجوز أن يظهر الجاني الحقيقي؟»
فاتفق المؤتمر بعد الجدال على الجواب، وكان أنه لا يجوز، فتسجل في نظامهم وتحتم على كل طبيب أن يحترم هذا القرار.
ولذلك أجاب جيرار داغير فقال: نعم، إن واجبات الطبيب تقضي علي بكتمان سرك، ولكنك لم تستند بدفاعك إلا إلى هذه الواجبات، وعجزت عن كل دفاع، وهو ما يدل على أنك مجرم، وإذا كنت لا تخافني فلماذا لا تعترف لي، وأية فائدة من الإنكار وأنا أعلم علم اليقين أنك القاتل؟
فأطرق هنيهة مفكرا ثم قال: لقد أصبت؛ فإني إذا بالغت في الإنكار حق لك أن تعتقد أني بريء، فحق لك أن تخبر أني جريح، فلا أعلم ما يكون من قاضي التحقيق؛ ولذلك أرى أن أخبرك بالحقيقة فتكتمها كما لو كنت شريكي، نعم إني أعترف للطبيب جيرار الذي وقف على سري بسبب معالجتي، وأقول: إني أنا الذي قتلت فولون وجرحت بوفور، فانس الآن هذه الحكاية واعمل بواجباتك كطبيب. - وهذا البريء المقبوض عليه والمتهم بدلا منك؟ - إنه قليل الحظ فليتدبر بأمره. - ولكن هل خطر لك أنهم سيحاكمونه في محكمة الجنايات؟ - نعم، وسيبرئونه وأنجو. - قد يبرئونه ولكنه سيوصم بوصمة عار من شكوك الناس لا تمحى أبد الدهر. - إنك تبالغ أيها الطبيب. - وإذا حكم عليه بالإعدام، وهذا أيضا من الممكنات؟ - عند ذلك تكون نجاتي مضمونة. - أليس في قلبك ذرة من الحنان فتشفق على رجل يموت عوضا عنك؟ - أتطلب الرحمة إلى رجل اعترف لك أنه قاتل؟ لا شك أنك من المجانين. - ويح لك أيها الشقي. - نعم إني شقي كما تقول، ولكني أريد أن أنقذ نفسي، ولو كنت من أهل العواطف الطيبة لما كنت قاتلا سفاكا، فلنبحث في غير هذا الموضوع. - لا أكتم عنك أني لم أقر على شيء بعد فيما يتعلق بجنايتك. - لا تستطيع أن تقر إلا على أمر واحد وهو الكتمان. - بل أستطيع وسأتمعن، ولكني أعدك أني إذا اعتمدت على إخبار قاضي التحقيق فسأدعك تسلم نفسك كي يخف عقابك. - أشكرك لاهتمامك بتخفيف عقابي، ولكني أوثر ألا أحتاج إلى ذلك. - سأعود غدا إليك وسنرى. - وأنا أنتظرك.
وقد تركه جيرار وعاد إلى منزله، فأخذ قانون الأطباء وقرأ مرارا عله يجد مخرجا يعينه على الإباحة بسر المريض الذي يعالجه، والذي لم يكتشف سره إلا بسبب هذه المعالجة، فلم يجد نصا يعينه على ذلك، فأقفل الكتاب مغضبا، وقال في نفسه: إني سأذهب إلى قاضي التحقيق فأقول له إن الذي قبضت عليه بريء، فابحث عن الجاني الحقيقي، ولا أزيد كلمة على هذا فأكون نبهت قاضي التحقيق، وكتمت سر الجاني المريض.
وقد ذهب من فوره إلى قاضي التحقيق فأحسن استقباله، ولكنه رأى الاضطراب باديا في وجهه فسأله عن أسبابه فقال له: إني أتيت لأبلغك أمرا خطيرا على رجاء أن تأخذ كلامي على علاته فلا تحوجني إلى تصريح.
قال: لقد أدهشتني بهذه المقدمة؛ إذ لا أستطيع التقيد بها قبل أن أسمع أقوالك.
قال: كل ما أريد قوله هو أنك مخطئ في سير التحقيق في قضية فولون، ومخطئ في قبضك على بوفور. - تريد أن تقول إنه بريء؟ - نعم. - هذا كل ما أتمناه له، ولكن لا بد لهذه الجناية من جان، فإذا كنت واثقا من براءة بوفور فاذكر لي اسم الجاني؟
Halaman tidak diketahui