أما إذا بحت بسرك فإنك لا تجدين بيننا غير المشفق المعزي مهما كان سرك رهيبا.
قالت: لقد أصبت يا موسيو فولون فإن في حياتي سرا، ولكني لا أريد الإباحة به. - لماذا لا تأتمنينني عليه وأنا صديقك كما تعلمين؟ - لا أريد أن أئتمن عليه أحدا. - ألعله يتعلق بشرفك؟ - إنه لا يمس شرفي، ويحق لي أن أسير شامخة الرأس. - ولكنك بكتمانك تفسحين المجال للظنون. - لا أبالي. - وقد يتهمونك أشنع التهم؛ من المرأة الساقطة التي تعاقب بالاحتقار إلى المرأة السارقة التي تعاقب بالسجن. - يحق لهم أن يتوهموا ما يشاءون. - وولداك ألا تخافين ظنونهما؟
فوقفت وقد اصفر وجهها كالأموات، وقالت: إنك تقطع قلبي ولا فائدة من أقوالك؛ فإني لا أبوح.
فخرج من عندها مطرق الرأس مضطرب القلب، وهو لا يعلم أكان اضطراب قلبه من الغضب أم الإشفاق، وذهب للقاء ولده.
ولما علم جيرار نتيجة هذه المقابلة قال لأمه: ألا تخشين على مودست من عاقبة هذه الخطة؟ - أية عاقبة تخشاها؟ - إن الفتاة في هذا العمر تكون حادة المزاج، تكره الظلم كما يكرهه الأطفال، وأخاف أن يدفعها تصرفك إلى اليأس، وكل ما أسألك إياه هو أن تراقبيها بملء العناية؛ لأني أرى حزنها يشتد في كل يوم لتأثرها من ظلمك. - لا تجر علي بحكمك يا بني. - لست بجائر ولكنك علمتني الحرية والجلاء بالقول والعمل، ولا أعرف اسما غير هذا الاسم لتصرفك. - إنك شديد القسوة علي يا جيرار. - ذلك لإشفاقي على أختي؛ فإنك غير عادلة معها. - لا تتسرع بالحكم على أمك. - إني أصبحت رجلا، بل إني الآن رئيس العائلة، وبهذه الصفة أكلمك؛ ولذلك أعيد ما قلته وهو أنه يجب أن تراقبي مودست فإني أخاف حدوث نكبة تكونين أنت المسئولة عنها. - ما الذي تخشاه؟ - إني أخاف كل شيء.
وقد تركها دون أن يزيد كلمة على ما قال، فحاولت مرسلين أن تلازم بنتها، ولكن مودست كانت تهرب منها وتحبس نفسها في غرفتها؛ حتى إنها حاولت مرة أن تدخل إليها، فأبت أن تفتح لها الباب، فعادت وهي في أشد الانقباض، وقد أخذت تخاف غوائل هذه الوحدة، وتقول في نفسها: رباه إني أخاف أن يفضي بها اليأس إلى الانتحار.
وقد اتفق بعد ذلك بيومين أنها بحثت عنها في المنزل فلم تجدها، فعاودها ذلك الفكر الهائل، وأسرعت راكضة إلى جهة النهر وهي تخشى أن تكون قد ألقت نفسها فيه، فوجدتها جالسة عند الضفة وهي تائهة في مهامه التفكير.
وكانت الشمس قد أخذت تتوارى في حجابها، وأقفرت الطريق، ولا يزال بين مرسلين وبنتها بضعة أمتار فرأتها قد وقفت، ورسمت علامة الصليب وسمعتها تقول: روبير ... حبيبي روبير ... وألقت نفسها إلى المياه، ولكنها لم تسقط فيها، بل بين ذراعي أمها؛ فإنها أدركتها عند الوثوب، وقبضت عليها بملء قوتها حذرا من أن تفلت منها.
غير أن مودست كانت أشد منها فجعلت تحاول الإفلات بملء قوتها وهي تقول: دعيني أموت. إلى أن تمكنت من الإفلات، وألقت بنفسها إلى النهر. فصاحت أمها صيحة منكرة وسقطت مغميا عليها، فلما استفاقت نظرت نظرة هائمة إلى ما حولها فوجدت بنتها بين ذراعي أخيها.
ذلك أن جيرار أدرك أخته حين وثوبها إلى النهر فسقط في أثرها وتمكن من إنقاذها.
Halaman tidak diketahui