وقد أوشك هذا الرجل أن يتدله بحبها، وتنازعه عاملان من الغضب واليأس؛ أما الغضب فلأنه أحب امرأة غير جديرة بالحب، وأما اليأس فلأنه سيفترق عنها. فقال لها حين رآها: نعم، لقد عرفت، فإني سمعتهم يتحدثون بشأنك في المعمل، وكنت مشككا ولكن لم يبق مجال للشك.
ولم يستطع أن يتم حديثه، فقال بصوت مختنق: لقد أسأت يا مرسلين إلي وإلى نفسك ...
وهنا سالت عبراته، فمسحها بيده وهرب كي لا يفتضح أمره.
ولكن أمره افتضح فإن مرسلين قرأت سور الحب الصادق في قلبه، فقالت في نفسها: لم يبق بد من مبارحة هذا المنزل؛ فإن الواجب يقضي علي ألا أبقى ساعة فيه.
ثم أسرعت إلى غرفتها فوضعت ثيابها في ملاءة وودعت صاحبة المنزل، فقالت لها: إلى أين تذهبين يا ابنتي؟
قالت: لا أعلم، على أن ذلك سيان عندي؛ فقد بقي لي بضع دريهمات تعينني على الولادة، وبعد ذلك يفعل الله ما يشاء.
وعندما همت بالانصراف التقت برئيس العمال فكانت شفتاه ترتجفان من الاضطراب، فوقف في وجهها وقال لها: إذن أنت ترحلين هكذا كأننا لا يعرف أحدنا الآخر إلا من ساعة، وما الذي يدعوك إلى هذا الرحيل، وما الذي تشكينه منا وأنت تعلمين أننا لم ننهج معك غير مناهج الأصحاب.
قالت: إني شاكرة لكم مروءتكم، وليس الذنب ذنبي إذا رحلت.
قال: كلا، لا تسافري وسأبذل جهدي في إقناع صاحب المعمل فتعودين إليه.
ثم مسح العرق عن جبينه، وقال بصوت يبدو فيه الاضطراب: وبعد فإن المعمل ليس بدير، وما أنت مدينة بأعمالك لأحد.
Halaman tidak diketahui