Kajian Bahasa dan Sastera
مطالعات في اللغة والأدب
Genre-genre
بقي علينا أن نأتي بشواهد على مذهب فصحاء العرب في استعمال المترادف وإبراز المعنى الواحد بصور مختلفة، وهذا هو أكثر من أن تحيط به المجلدات، وما على المكابر فيه إلا أن يقرأ خطب العرب ونخب رسائلهم وغرر أقوالهم ويتصفح كتابات فحول البلاغة، مثل: الجاحظ، والزمخشري، وبديع الزمان، والخوارزمي، والصاحب بن عباد، وابن العميد، وأبي إسحق الصابئ، والقاضي الفاضل، وابن خلدون، ولسان الدين ابن الخطيب وغيرهم، فيجد في كل صفحة من صفحات كتبهم شيئا يحقق له كون هذا المذهب مذهبهم عندما يقتضيه المقام، ولكن لما كان المثل الحاضر أوقع في النفس توخينا أن نأتي بشيء من الأمثال مما حضرنا على طريق المصادفة، فنقول: قال أبو الهلال العسكري في «الصناعتين» وهو من أساتذة الصناعة: «فإن صاحب العربية إذا أخل بطلب هذه العلوم وفرط في التماسها؛ فاتته فضيلتها، وعلقت به رذيلة قوتها، وعفى على جميع محاسنه، وعمى سائر فضائله.»
فأنت ترى المشابهة في المعنى بين «أخل» و«فرط» والطلب والالتماس وفوت الفضيلة وعلوق الرذيلة، وكذلك بين «عفى، وعمى، والمحاسن، والفضائل» وليس الفرق بين هذه الألفاظ ومدلولاتها أعظم من الفرق بين الصارخة القومية والنعرة الجنسية وأنها بدأت مع الأقوام ونشأت مع الأمم منذ الكيان ... إلخ، وبين مدلولاتها؛ بل كل ذلك من قبيل إشباع المعنى وتمكينه في ذهن السامع بالصور المختلفة.
وقال الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي صاحب حسن التوسل: وهذه العلوم وإن لم يضطر إليها ذو الذهن الثاقب، والطبع السليم، والقريحة المطاوعة، والفكرة المنقحة، والبديهة النجيبة، والروية المتصرفة، لكان العالم بها متمكن من أزمة المعاني وصناعة الكلام، يقول عن علم، ويتصرف عن معرفة، وينتقد بحجة ويتخير بدليل ويستحسن ببرهان ... إلخ.
فإن قيل: إلا أن هذا ليس من الترادف لوجود فروق دقيقة بين «قريحة وروية، وفكرة وبديهة، وحجة ودليل وبرهان، ويتخير ويستحسن»، فالجواب أن هذه الفروق الدقيقة هي أيضا في الجمل التي عابها علينا صاحب مقالة التطور، مثل: «الانتباذ»، و«التنحي»، و«الانزواء»، و«الاعتزال»، و«ترامت به عن منبته الأقطار»، و«تباينت بينه وبين أهله الأوطان والأوطار». وإن كثيرين من أئمة اللغة ينكرون وجود مترادف حقيقي فيها، ويقولون إن الناس صاروا يعدون بعض الكلام مترادفا لجهلهم بأصل معناه وإنما هو تشابه لا غير. ولا ينبغي أن ننسى أن صاحب حسن التوسل لا يتكلم عن جمهور أكثرهم ليسوا من أهل الفن بل كلامه موجه إلى الخواص دون غيرهم، ومع هذا فقد مر بك إطنابه.
وانظر إلى قول أبي طالب حين خطب النبي
صلى الله عليه وسلم
خديجة: الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبرهيم وذرية إسماعيل، وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا ثم إن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي من لا يوزن بأحد إلا رجحه ولا يعدل بأحد إلا عدله.
هاك مثلا من قول عثمان بن عفان - رضي الله عنه: إن لكل شيء آفة، وآفة هذا الدين وعاهة هذه الملة (تأمل في: آفة وعاهة ودين وملة) قوم عيابون طعانون (تأمل أيضا) يظهرون لكم ما تحبون ويسرون ما تكرهون. أما والله يا معشر المهاجرين والأنصار لقد عبتم علي أشياء ونقمتم مني أمورا (تأمل أيضا) قد أقررتم لابن الخطاب بمثلها ولكنه وقمكم وقما ودمغكم (انظر إلى تقارب: وقم ودمغ وكلاهما بمعنى: أذل وقهر) حتى لا يجترئ أحد منكم يملأ بصره منه ولا يشير بطرفه إلا مسارقة إليه (وهنا المعنى واحد أشير إليه بصورتين مختلفتين ليزداد رسوخا في فكر السامع).
فنظن أن عثمان بن عفان كان عربيا، لا بل من الطبقة الذين تؤخذ عنهم لغة العرب، وخطبته هذه معدودة من غرر الخطب التي يستشهد بها في البلاغة.
فانظر كم ثمة من الجرأة عندما يقول صاحبنا: «هذا النوع من الكتابة غير طبيعي أو غير عربي»، فإن هذا النوع الذي وصفه بكونه غير عربي هو هذه الطريقة بعينها كما مر بك وكما سيأتيك.
Halaman tidak diketahui