Kajian Bahasa dan Sastera
مطالعات في اللغة والأدب
Genre-genre
تعلم مما قررناه في هذا الباب أن حصول ملكة اللسان العربي إنما هو بكثرة الحفظ من كلام العرب، حتى يرتسم في خياله المنوال الذي نسجوا عليه تراكيبهم فينسج هو عليه ويتنزل بذلك منزلة من نشأ بينهم وخالط عباراتهم في كلامهم حتى حصلت له الملكة المستقرة في العبارة عن المقاصد على نحو كلامهم.
هذا رأي ابن خلدون، وبذلك تكون الأساليب ثلاثة: الأسلوب الأندلسي، والأسلوب المغربي، والأسلوب الخلدوني، وغرضنا في هذا المقال الدعوة إلى الأسلوب الخلدوني. •••
إذا كان غرضنا إقامة الملكة بعد أن فسدت؛ بل إحياءها بعد أن فقدت، فأحسن الطرق وأقربها أن نخاطب المبتدئين باللغة الصحيحة رأسا، وأن نحرص على أن نجعلهم لا يقرءون من الكتب ولا يحفظون من كلام السلف والمولدين إلا ما كانت ملكته صحيحة لا تتنازعها ركاكة أو عجمة، وأن نمرنهم كثيرا على الكتابة، وأن نقوم ما انآد من عباراتهم في القراءة والكتابة والكلام قياسا على كلام العرب لا على قوانين اللغة، فنقول: «قال الرجل» بالضم قياسا على «قال النبي»، و«قال الأحنف»، و«قال المهلب». ونقول: «النهار جميل» برفع الاثنين قياسا على قولهم: «العلم زين»، و«الصدق عز والكذب خضوع»، و«الخير عادة والشر لجاجة»، وإذا أخطأ أحدهم أرشدناه أو قلنا لرفاقه: «أرشدوا أخاكم فقد ضل» ... وعلى الجملة أن نعلمهم اللغة كما يتعلم الطفل لغة أمه فهو يسمعها، ثم يألفها، ثم يفهمها، ثم يتكلمها بدون أن تعلمه أمه قوانين اللغة، وبدون أن تفسر له ألفاظها أو تترجمها. قد يخل بالأسلوب في أول أمره، كما قد يسيء التلفظ ببعض حروفه، ولكنه لا يلبث أن يهتدي إلى الصواب بحكم التقليد وبضرورة أن يكون مفهوما؛ بل كما يتعلم الطفل ابتسامات أمه وحركاتها وإشاراتها، وكما يتعلم أن يلبس وأن يمشي وأن يغني، إلى غير ذلك مما يأخذه بالتقليد والتمرن، وهي نفس الطريقة التي بها يتعلم كل أجنبي لغة أمه، فهو يحسن ملكتها قبل أن يعرف شيئا من أحكامها.
وفي اللغات الأجنبية ما هو أصعب من اللغة العربية كثيرا؛ مثل اللغة الروسية والألمانية؛ فإن فيها من التصاريف وتعدد الحالات على الاسم والشذوذ ما لا يذكر بجانبه ما في اللغة العربية منه.
وإذا تعلم الأجنبي قوانين لغته فليس عن حاجة إليها، ولا لإحسان ملكته، ولكنه إنما يتعلمها تبعا للعادة، أو لما قد يكون في درس هذه القوانين من ترويض للعقل؛ ولذلك سمي النحو في اللغات الإفرنجية منطق اللغة أو إقليدس اللغة. وقد رأيت أن ابن خلدون قال في كلامه عن الأسلوب المغربي الذي مر ذكره: «إن صناعة العربية أصبحت من جملة قوانين المنطق العقلية أو الجدل» ولكن رياضة العقل فيما لا تدعو إليه حاجة إسراف في غير محله. وكم نجد في اللغات الأجنبية من كبار الكتاب والشعراء والخطباء من لم يتعلموا شيئا من قوانين لغاتهم، وهي نفس الطريقة التي كان العرب يأخذون بها لغتهم قبل وضع علم النحو، فكم نبغ في الأمة العربية في ذلك العهد من الشعراء والخطباء، وبينهم من لم يكن يعرف القراءة ولا الكتابة، مثل: المتلمس، والفرزدق، وذي الرمة وغيرهم، وهم هم الذين من أقوالهم استخرج النحاة أحكام النحو، وبأقوالهم لا يزالون يحتجون.
وعلى هذه الطريقة جرى كثيرون بعد وضع علم النحو من قديم الزمان إلى اليوم وبينهم من لم يكونوا في أول نشأتهم من أهل العلم والأدب؛ بل كانوا يتعاطون أعمالا يدوية مثل سري الرفاء، الذي نبغ في الشعر على عهد سيف الدولة وهو يرفو ويطرز في دكانه. ومن الذين جروا على هذه الطريقة في عصرنا هذا الذي كدنا نصبح فيه غرباء عن اللغة العربية محمود سامي البارودي، الذي قيل فيه إنه متنبي عصره، فقد كان من أولئك الذين تعلموا على الأسلوب الخلدوني، أي تعلم اللغة من اللغة نفسها، فكان إذا وقع الاسم في كلامه بعد «أن» أو إحدى أخواتها نصبه قياسا على نظائره من أقوال غيره من الشعراء المتقدمين لا على أحكام «أن» وأخواتها، ومثله كثيرون؛ بل لعل أكثر الذين يحسنون الملكة من كتابنا وأدبائنا لا يحسنون الفاعل من المفعول، ولا المرفوع من المجرور.
وقد لوحظ أن الذين يشتغلون بتمثيل الروايات الموضوعة باللغة العربية الصحيحة قد أصبح الإعراب فيهم ملكة مع أن أكثرهم أميون، فكيف اكتسب كل هؤلاء ملكة اللغة؟! اكتسبوها بالتقليد والبداهة والحفظ والاستعمال. وإذا عرف الذين نبغوا بعد وضع علم النحو قوانين اللغة وراعوها في الاستعمال فلأنهم استخرجوها من اللغة بالاستقراء فهم تعلموا الصناعة من الملكة لا الملكة من الصناعة، وهذه الأحكام التي استخرجوها بالاستقراء لم يكن لها أقل علاقة بإجادتهم في الفنين من المنظوم والمنثور؛ بل إن الذين درسوا النحو في مطولاته إذا قرءوا أو كتبوا أو تكلموا راعوا في ذلك وحي السليقة لا أحكام النحو على حد قول الشاعر:
ولست بنحوي يلوك لسانه
ولكن سليقي أقول فأعرب
إذا رأينا أبناءنا يعجزون عن اكتساب ملكة اللغة قراءة وكتابة وتكلما، فليس ذلك ناشئا عن جهلهم قوانين اللغة، ولا عن صعوبة اللغة العربية، ولا عن عجز الأساتذة عن تدريسها؛ وإنما السر في ذلك أن اللغة في أكثر مدارسنا ليست اللغة الحية. فسدت الملكة العربية يوم خالطنا الأعاجم فما قولك الآن وقد حلت اللغات الأجنبية محل لغتنا في بيوتنا ومدارسنا وتعاملنا؟! يدخل أبناؤنا إلى المدارس الأجنبية فلا يلبثون أن يعرفوا اللغات الأجنبية أكثر مما يعرفون لغتهم، فيحسب الوالدون ورؤساء المدارس أن ذلك ناشئ عن صعوبة اللغة العربية وسهولة اللغات الأخرى، ولو تدبرنا الأمر لرأينا أن أبناءنا إنما يتقنون اللغات الأجنبية على صعوبة أكثرها بالقياس إلى لغتنا، وعلى جهل أكثر أساتذتها بأساليب تدريسها؛ لأنهم يسمعونها ويستعملونها دائما، فهم يدرسونها في الحساب والجغرافيا والتاريخ والموسيقى والرسم واللعب وسائر الفروع، فضلا عن دروس اللغة من قراءة واستظهار وإنشاء ومحادثة وإملاء وخط، ويتكلمون بها في غرف التدريس وفي ساحات اللعب، وفي دخولهم وخروجهم، فلا عجب إذا انطبعت على ألسنتهم واستسهلوا فيها كل صعب. والأمر بالعكس في لغتهم فهم لا يستعملونها إلا قراءة، وإذا تكلموا في المدرسة أو خارجها، فبلغة أخرى، إما بلغة أجنبية وإما باللغة المحكية العامية، فما أشبه لغتنا - والحالة هذه - باللغتين اللاتينية واليونانية القديمة اللتين تدرسان لا لتستعملا في التخاطب والتعامل مثل سائر اللغات الحية، ولكن لفهم أدبياتهما القديمة؛ بل ما أشبهها باللغات الميتة التي يدرسها البعض لأغراض فيلولوجية أو تاريخية. •••
Halaman tidak diketahui