207

Mustasfa

المستصفى

Penyiasat

محمد عبد السلام عبد الشافي

Penerbit

دار الكتب العلمية

Nombor Edisi

الأولى

Tahun Penerbitan

١٤١٣هـ - ١٩٩٣م

الْأَقْسَامِ إلَّا بِقَرِينَةٍ كَالْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ قَوْلُهُ " لَا تَفْعَلْ " أَفَادَ التَّحْرِيمَ، فَقَوْلُهُ " افْعَلْ " يَنْبَغِي أَنْ يُفِيدَ الْإِيجَابَ؟ قُلْنَا: هَذَا قَدْ نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ قَوْلَهُ " لَا تَفْعَلْ " مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ التَّنْزِيهِ، وَالتَّحْرِيمِ كَقَوْلِهِ افْعَلْ "، وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ فِي النَّهْيِ لَمَا جَازَ قِيَاسُ الْأَمْرِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللُّغَةَ تَثْبُتُ نَقْلًا لَا قِيَاسًا. فَهَذِهِ شُبَهُهُمْ اللُّغَوِيَّةُ، وَالْعَقْلِيَّةُ. أَمَّا الشُّبَهُ الشَّرْعِيَّةُ فَهِيَ أَقْرَبُ، فَإِنَّهُ لَوْ دَلَّ دَلِيلُ الشَّرْعِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ لَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْوُجُوبِ لَكِنْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الشُّبْهَةُ الْأُولَى قَوْلُهُمْ: نُسَلِّمُ أَنَّ اللُّغَةَ، وَالْعَقْلَ لَا يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِ الْأَمْرِ بِالْوُجُوبِ، لَكِنْ يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى: ﴿، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [المائدة: ٩٢] ثُمَّ قَالَ: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ﴾ [النور: ٥٤] .
وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي قَوْلِهِ ﴿وَأَطِيعُوا﴾ [النساء: ٥٩] قَائِمٌ أَنَّهُ لِلنَّدْبِ أَوْ الْوُجُوبِ، وَقَوْلُهُ: ﴿عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ﴾ [النور: ٥٤] أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ مِنْ التَّبْلِيغِ، وَالْقَبُولِ، وَهَذَا إنْ كَانَ مَعْنَاهُ التَّهْدِيدَ، وَالنِّسْبَةَ إلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ الرَّسُولِ ﵇ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الطَّاعَةَ فِي أَصْلِ الْإِيمَانِ، وَهُوَ عَلَى الْوُجُوبِ بِالِاتِّفَاقِ، وَغَايَةُ هَذَا اللَّفْظِ عُمُومٌ فَنَخُصُّهُ بِالْأَوَامِرِ الَّتِي هِيَ عَلَى الْوُجُوبِ، وَكُلُّ مَا يُتَمَسَّكُ بِهِ مِنْ الْآيَاتِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ فَهِيَ صِيَغُ أَمْرٍ يَقَعُ النِّزَاعُ فِي أَنَّهُ لِلنَّدْبِ أَمْ لَا، فَإِنْ اقْتَرَنَ بِذِكْرِ وَعِيدٍ فَيَكُونُ قَرِينَةً دَالَّةً عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ الْأَمْرِ خَاصَّةً، فَإِنْ كَانَ أَمْرًا عَامًّا يُحْمَلُ عَلَى الْأَمْرِ بِأَصْلِ الدِّينِ، وَمَا عُرِفَ بِالدَّلِيلِ أَنَّهُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَبِهِ يُعْرَفُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْله تَعَالَى ﴿، وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ [الحشر: ٧]، وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ﴾ [المرسلات: ٤٨]، وقَوْله تَعَالَى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: ٦٥] فَكُلُّ ذَلِكَ أَمْرٌ بِتَصْدِيقِهِ، وَنَهْيٌ عَنْ الشَّكِّ فِي قَوْلِهِ، وَأَمْرٌ بِالِانْقِيَادِ فِي الْإِتْيَانِ بِمَا أَوْجَبَهُ.
الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ: تَمَسُّكُهُمْ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: ٦٣] قُلْنَا: تَدَّعُونَ أَنَّهُ نَصٌّ فِي كُلِّ أَمْرٍ أَوْ عَامٍّ؟، وَلَا سَبِيلَ إلَى دَعْوَى النَّصِّ، وَإِنْ ادَّعَيْتُمْ الْعُمُومَ فَقَدْ لَا نَقُولُ بِالْعُمُومِ، وَنَتَوَقَّفُ فِي صِيغَتِهِ كَمَا نَتَوَقَّفُ فِي صِيغَةِ الْأَمْرِ، أَوْ نُخَصِّصُهُ بِالْأَمْرِ بِالدُّخُولِ فِي دِينِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ نَدْبَهُ أَيْضًا أَمْرُهُ، وَمَنْ خَالَفَ عَنْ أَمْرِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣]، وَقَوْلِهِ: ﴿، وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، وَأَمْثَالِهِ لَا يَتَعَرَّضُ لِلْعِقَابِ. ثُمَّ نَقُولُ: هَذَا نَهْيٌ عَنْ الْمُخَالَفَةِ، وَأَمْرٌ بِالْمُوَافَقَةِ أَيْ: يُؤْتَى بِهِ عَلَى وَجْهِهِ، إنْ كَانَ وَاجِبًا فَوَاجِبًا، وَإِنْ كَانَ نَدْبًا فَنَدْبًا، وَالْكَلَامُ فِي صِيغَةِ الْإِيجَابِ لَا فِي الْمُوَافَقَةِ، وَالْمُخَالَفَةِ. ثُمَّ لَا تَدُلُّ الْآيَةُ إلَّا عَلَى وُجُوبِ أَمْرِ الرَّسُولِ ﵇، فَأَيْنَ الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى؟
الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُ: تَمَسُّكُهُمْ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ بِأَخْبَارِ آحَادٍ لَوْ كَانَتْ صَرِيحَةً صَحِيحَةً لَمْ يَثْبُتْ بِهَا مِثْلُ هَذَا الْأَصْلِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا صَرِيحًا، فَمِنْهَا «قَوْلُهُ ﵇ لِبَرِيرَةَ، وَقَدْ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ، وَكَرِهَتْهُ لَوْ رَاجَعْتِيهِ فَقَالَتْ: بِأَمْرِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: لَا إنَّمَا أَنَا شَافِعٌ فَقَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ» فَقَدْ عَلِمَتْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَمْرًا لَوَجَبَ، وَكَذَلِكَ عَقِلَتْ الْأُمَّةُ.
قُلْنَا هَذَا وَضْعٌ

1 / 209