Kitab al-Mustarsid
كتاب المسترشد
Genre-genre
قيل لهم: فقد دخل على الله سبحانه في قولكم الزوال والفناء، والامحاق والذهاب، والهلاك والبلاء، إذ بعضه في قولكم يموت، ويزول ويتغير ويفوت، فلقد أدخلتم على خالقكم الصفات الناقصات الزائلات، وأزحتم عنه ما وصف به نفسه من البقاء في كل الحالات، فلا تجدون بدا من أحد هذين المعنيين المحالين الباطلين في الله، المخالفين، اللذين تكونون بانتحال أحدهما بالله كافرين، وفي دينه فاجرين، ولجميع أهل الإسلام مخالفين، ومن الإيمان والحق خارجين، أو ترجعوا إلى قول المحقين، وتتابعوا في مقالتهم الموحدين، فتقولوا كما يقولون: إن معنى الوجه في الله سبحانه وتعالى عن كل شأن شأنه هو الله، وإنه ليس بذي أعضاء، ولا أبعاض ولا أجزاء، وذلك فمعروف في العربية، يعرفه كل من فارق لسان الأعجمية، من ذلك ما تقول العرب: (هذا وجه بني فلان)، تريد أنه المنظور إليه منهم في كل شأن، وأنه رجلهم وسيدهم، والقائم في كل أمر دونهم، وتقول العرب: (هذا وجه المتاع)، تريد بذلك أنه أفضل ما يبتاع، وتقول: (هذا وجه الرأي)، أي محضه وصدقه، وصوابه في كل أمر وحقه، لا أن له وجها كما يعرف من الوجوه المخلوقة في البشر، المجعولة المقدرة المركبة المصورة، وفي ذلك وما كان كذلك ما يقول الشاعر:
وقد يهلك الإنسان من وجه أمنه
وينجو بإذن الله من حيث يحذر
فقال: من وجه أمنه؛ وليس للأمن وجه ولا صورة، وإنما أراد أنه يعطب من الوجوه المأمونة عنده المحمودة.
وقال آخر:
فأسلمت وجهي لمن أسلمت
له الأرض تحمل صخرا ثقالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت
له المزن تحمل عذبا زلالا
وقال آخر:
أضحت وجوههم شتى وكلهم
يرى لوجهته فضلا على الملل
فقال: أسلمت وجهي، وإنما أراد: أسلمت ديني، فاستسلمت وقصدت خالقي بكل عملي، لا أنه أسلم وجهه دون قلبه، ولا قلبه دون عمله، ولا عمله دون نفسه وقوله.
Halaman 158