ولكن حمى أضرعتني ثلاثة
مجرمة ثم استمرت بنا غبا
ومجلس أصحابي كأن أنينهم
أنين مكاك فارقت بلدا خصبا
فإنك لو أبصرت يوم سويقة
مقامي وحبسي العيس مطوية حدبا
إذا لاقشعر الرأس منك صبابة
ولاستفرغت عيناك من عبرة سكينا
58
وظاهر من وصفه لهذا المرض أنه البرداء، تلك الحمى التي تأتي غبا؛ أي تأخذه يوما وتدعه آخر، وليس غريبا أن تكون هذه الحمى قد عاودته - ومن شأنها المعاودة - فمات منها، ولكن أين مات؟ ذلك أمر لا نستطيع الجزم فيه، ويلوح لنا من اختلاف الرواة أنه لو كان عمر قد مات في مكة أو المدينة لكان من السهل على الرواة أن يعرفوا ذلك، ويظهر أن سبب اختلافهم يعود إلى أن عمر قد مات بعيدا عن الحجاز، ونستبعد أن يكون مات بالشام كما يروي البلاذري، ولعل كلمة الشام في رواية البلاذري مصدرها أن الجارية المكية التي حزنت لموت عمر قد صارت إلى بني مروان في الشام، وأغلب الظن أن عمر قد مات في اليمن وقد كان له مزارع فيها، ورثها إما عن أمه أو عن أبيه، وكان ابنه جوان أيضا عاملا على تبالة، فليس بعيدا أن يكون عمر قد قضى آخر حياته في بلد أمه وأخواله أو عند ابنه، وليس غريبا أن يكون أخوه الحارث معه كما تشير رواية مرضه، ولنذكر أن المصادر التي بين أيدينا لا تذكر شيئا عن الحارث بعد زوال سلطة آل الزبير، فلعله قد انقطع عن السياسة أو أقصي عنها، آثر أن يعيش بعيدا عن الحجاز في آخر حياته، أو لعل أخاه عمر قد بعث وراءه في مرضه الأخير ليكون عنده.
Halaman tidak diketahui