البيت هادئ، لا ينتج شيئا مفيدا، لا، حتى مجرد همسات قد تؤول إلى مقصد لذيذ بقدر بسيط من إعمال الخيال، لا حياة، فجأة خرج سانسو من القطية، في فمه كدوسه، كدوسه الكبير الشهير، ظل واقفا يدخن في قلق، يرسل خيوطا من الدخان في الهواء بهدوء حذر إلى أن أتت باتريشيا، وضعت كرسي الخيزران خلفه مباشرة، جلس دون أن يطلق صوتا، وضع رجلا على رجل، استمر في مهمة إطلاق الدخان، جاءت باتريشيا بكوب ماء قدمته إليه بناء على طلبه - هكذا ظن أخي - أو من تلقاء نفسها - ظننت أنا - لي وله مبرران مختلفان، لنا شك واحد، عندما تناقشنا في الأمر وقد أصبحنا رجلين كبيرين: إنه طقس سري سحري، لم تتح لنا فرصة التعرف إليه إلى الآن.
أمسك بالكوب، نظر في وجهها، كان أسود لامعا به عينان كبيرتان، كبيرتان؛ كل الناس يقولون ذلك، ألقى بالماء كله في وجهها في دفعة واحدة، رمى بالكوب بعيدا، رطن جملة قصيرة أدخلت الخوف في نفسينا، لولا إصرار عطا المنان على البقاء ومتابعة الحكاية للآخر لهربت مهرولا، لم تقم برد فعل ما يظهر غضبها، دخلت القطية، عندما عادت كانت تحمل عودا غليظا، هب سانسو واقفا وبدأت المعركة، في سرعة البرق تجمعت نساء الجيران في متعة معروفة في تلك الأنحاء، كن يشاهدن العراك العنيف الذي يدور بين الساكنين الجدد، لم يقض على متعتهن في إصدار الأصوات التي لا تعني شيئا إلا حضور أبي وجارنا مرجان كافي إلى ساحة المعركة، قضيا على العراك بالفصل بين الزوجين، منقذين سانسو - كما بدا لنا - من جلدة ساخنة.
6
أخي عطا المنان وأنا انتظرنا بعيدا قرب المرحاض العام المهجور، بالرغم من خوفنا منه؛ حيث إنه مسكون بالشياطين، إلا أنه كان النقطة الأمثل لمتابعة ما بعد المعركة مع تجنب الوقوع في قبضة أحد الكبار، خاصة جارنا العم مرجان كافي أو أبي، وفوق ذلك كله يتيح لنا رصد تحركاتهما.
7
باتريشيا تغسل رجليها الطويلتين وهي جالسة على كرسي من الخيزران عال، تلبس ذات الفستان الذي أدارت به المعركة ضد زوجها، كانت صامتة تتجاهل تماما سانسو الجالس على كرسي الخيزران الآخر، قد اعتدل مزاجه فعاود إطلاق الدخان مرة أخرى، عندما فرغت من غسل ساعديها ووجهها مسحت شعرها، قالت لي: تعال.
دق قلبي بشدة، هرب عطا المنان إلى جهة لا أدريها، قد لا يدريها هو نفسه، أما أنا فقد تسمرت في مكاني من هول المفاجأة؛ لأنني ما كنت أظنها ترانا، قلت لها بفم جاف، لسان ثقيل وشفتين باردتين، ما معناه: أنا؟ - أيوا، إنت يا ود مريم.
ودون تفكير أدخلت رأسي كلها في قدة الكديس، زحفت إلى أن مر جسدي كله عبر الخرم، ثم نهضت، نفضت التراب والقش عن ملابسي أمامها فيما يعني: أنا تحت الطلب.
أخرجت من بين ثنيات شعرها جنيها، قالت لي: امشي الدكان، جيب لي حجار بتاع بطارية، يديك أبو كديس، أوعك تجيب أبو نمر سامع؟ أبو كديس.
انطلقت في سرعة البرق نحو دكان صالح اليماني، خلفي عطا المنان الذي لا أعرف من أي جب خرج، قلت له بين أنفاس متلاحقة: وقالت لي شيل الباقي كمان.
Halaman tidak diketahui