كانت تجلس في الكرسي كما هو في اليوم الأول، سألتني عن مبررات كل ما قمت به في يومي هذا، وكنت أجيبها بصدق، تعلق أحيانا أو تصمت في أحايين كثيرة، ولكنها بشكل عام كانت تؤكد على أنه ليس مهما أن ما أقوم به مقبولا خيرا أم لا، لكن المهم هو: هل أنا أجد مبررا لما أقوم به أم لا، هل أنا راض عن نفسي أم لا.
سألتني: هل توافق على اقتراح بتك أمونة؟
قلت: أنا ما أظنني بقدر على النساء، كبرت وفقدت الرغبة في المواضيع دي، وأنا الآن قادر أقوم بواجب نفسي بنفسي من طعام وشراب ونظافة، المرأة الحقيقية الوحيدة في حياتي هي أنت وكفاية.
ابتسمت أمي آمنة ابتسامة عميقة وحلوة، ثم تلاشت تدريجيا في فضاء الغرفة، في الصباح الباكر اتصلت بي ابنتي أمونة مرة أخرى وقالت لي بوضوح أنها سوف ترتب لي لقاء مع أربعينية جميلة مطلقة لها طفلان، ومن ثم أنا حر في أن أرتبط بها أم لا، قلت لنفسي: ماذا ستخسر؟ فليكن.
كانت امرأة جميلة، لها ابتسامة دائمة في وجهها، لا تحتاج لسبب وجيه لكي تضحك، فهي تضحك باستمرار، وتستطيع أن تقنع أي إنسان مهما كان متشائما أن يرد على ابتسامتها بابتسامة أخرى حتى ولو كانت باهتة تعبة، ولكن الشيء الغريب فيها والمدهش والمخيف أيضا أنها ترتدي نفس الملابس التي كانت ترتديها أمي آمنة بالأمس، نفس الحذاء، نفس الصوت نفس الطريقة في الكلام، نفس الوجه، نفس الابتسامة، وأستطيع أن أقول إنها نفس المرأة.
الخرطوم
11 / 6 / 2008
ذاكرة الموتى
قالت لي أمي في الحلم: الدنيا زائلة يا ولدي.
قلت لها وأنا نائم: ليس صحيحا، نحن الزائلين، الدنيا باقية.
Halaman tidak diketahui