Muzik Timur dan Nyanyian Arab
الموسيقى الشرقية والغناء العربي
Genre-genre
بقي أن نصف كيف ينبغي أن تكون الموسيقى العربية ليحسن تصورها الذين يروعهم من الموسيقى الأفرنجية دوي الطبل وقعقعة النحاس وطنطنة المثلثات الحديدية، وخوار المعازف المعدنية، إلى ما يماثل ذلك مما يختلط على ذهن جاهله ويسوء وقعه في نفسه لعدم إدراك معناه. وإنما الموسيقى في إصطلاح الغربيين فن كالكتابة أو الرسم، سوى أنها تمثل لنا بالصوت ما يمثله لنا الإنشاء بالألفاظ التي تستثير في مخيلتنا تصور مقصوداتها، وما يمثله الرسم بالصور التي تنطبق على مرئياتنا.
وبدهي أن كلا من هذه الفنون لا يرينا مما يماثله إلا جانبا ويدع لنا الجانب الآخر نتممه بما نتخيله أو نعلمه أو نشعر به، فالكاتب إذا حدث عن عاصفة مثلا وصف لنا شمسا محمرة كالجمرة في كبد السماء يحيط بها قتام يغتالها إلى أن تنطفئ فيشمل الظلام ويكون مهيبا. ونشر سحائب سوداء كثيفة ترسل في الجو رعودا مليئة الدوي ثم صادعة، وبروقا ملطفة اللمعان ثم ساطعة، وأطلق ريحا هجوميا عاصفة تمر على البلد الموصوف فتهدم واهية مبانيه وتذري رماده وتجتث أشجاره العاتية وتصفع وجوه زجاجه بالبرد، وتجري بطرقه سيولا فإذا أبلغ السهول منتهاه وصف لنا في خلال هذه الروائع كلها طفلا يتيما هائما على وجهه، وقد لجأت الناس إلى مساكنها جزعا، وقد اطمأنت الأطفال بين أيدي آبائها وأمهاتها في مآمنها، وإنما يقف ذلك الطفل الصغير في ذلك الموقف الرهيب ليحرك في قلبنا وتر حنان، ورفق خلال، خفقان الهلع، وثورة الدهشة، فمن قرأ هذا الوصف رأى تكلح الشمس وأفولها وانتشار السحائب السوداء، ولمع الوميض المتتالي، وتقلع الأشجار، وتقوض الجدران على التوالي، وسمع زئير الرعد القاصف، وهدير السيل الجارف، وركض الزمهرير العاصف، وركوع البناء الواقف، ورأى في أثناء هذا الحادث الجلل دهشة ذلك اليتيم الخائف، وسمع خفقان قلبه الصغير الواجف، كأن ما قيل حاضر بين يديه وكأنه منه على كثب ينظره بعينيه ويسمعه بأذنيه مع أنه في الحقيقة لم ير ولم يسمع من ذلك شيئا. فالكاتب رمز له بما ينبه عنده هذه التصورات الشتى ويجمعها على الشكل الذي أحبه فتم له ما أراد على قدر مهارته.
وللألفاظ في بلاغ قصده رنة لا تنكر. وللتراكيب امتزاج بالنفس لا يجحد. ولأصوات الحروف لعب بالدماغ والقلب لا ريب فيه. ولكن كل هذا ليس إلا من المتممات. فإذا قدرنا بعد هذا أن رساما تولى تصوير هذا المشهد فغاية ما يستطيعه تمثيل قدة كالهلال من الشمس الحمراء في جهة الأفق. وتكديس طبقات من الغيوم القاتمة في صدر السماء. وتحدير سموط كنسج المنوال من المطر الغزير. وإقامة أمواج من الزبد في الطرق السائلة بالوحل والماء تلاطم من الحجارة أشباه أنياب العجوز الفلجاء، وإمالة حائط وصرع شجرة وتقصف أخرى، وتكسر زجاج، ووقفة طفل بالي الأطمار في موقف الحيرة والجزع بعينين نجلاوين وقد سالت منهما دمعتان. ولكن الرسام يرتب هذه الأجزاء ويحكم وضع كل معنى مقصود في اللون الذي يلونه حتى أنك لتسمع الرعد وأنت تنظر البرق، وتحس الدمار وأنت ترى آثاره، وتحس خفقان قلب الطفل وأنت ترى الانفعال البادي على وجهه والدمعتين المتسلسلتين من مقلتيه.
وصفوة القول إن الكتابة فن منبه للتصور والحس رمزا. وأن الرسم فن منبه لهما نظرا. فكان والحالة هذه لا بد من فن متمم لهذين الفنيين لينبه التصور والحس سمعا، وهذا ما بنيت عليه الموسيقى منذ بضع مئات من السنين في أوربا على اعتبار أنها فن نفيس مثلهما قابل لتأدية المعاني التي يؤديانها. وقد وصلت الآن في تلك البلاد إلى هذه الغاية. وأصبحت عاملا من أكبر عوامل تقدمها العجيب.
فلنصف الآن كيف نتخيل تمثيل الموسيقى للمشهد الذي ذكرناه آنفا، وإن لم نكن ممن لهم رأي في هذا الفن هنا أسأل الصديق الذي يقرأ هذه السطور أن يتخيل أنه أجاب دعوتي وصحبني إلى دار غناء لأريه بسمع أذنيه ما نظره في الرسم بعينيه. فنحن الآن إذن جالسان في تلك الدار على كرسيين متجاورين. وهذه أمامنا مجالس الضاربين والعازفين.
أنظر أيها الصديق أن عدد هؤلاء نحو المائة أمام كل منهم دفتر فيه رموز الأصوات التي ينبغي أن يحدثها في الأوقات المعينة له. وهذا كل ما عليه. وعلى الأستاذ الذي فوق المنصة أن يتنبه لعامة الترتيب ويمنع الشذوذ، اجمع حواسك الآن واصغ بكليتك فقد أشار الأستاذ بأن يبدءوا.
ماذا تمثل لك هذه السحابة من النغمات التي تخرج من الأوتار مضطربة سريعة مبتدئة من القرار؟ أليس هذا أول تنهد الريح المنذرة بالهجوم؟ أو ليس فيها ما يشعر ببرد الزمهرير؟ أتسمع كيف تترقى صاعدة متدافقة كأنها علت فوق الأرض ذاهبة في الجو كلما جازت شوطا زادت قوة واتساعا إلى أن تتخيلها بلغت السحاب؟ هذا تنبيه يسمو بالفكر على مثل البساط الروحاني ليوصله إلى الأفق الأعلى ويشهده حادثا جليلا فقد دنت الغيوم من الشمس فاغرة فاها، وانضمت أصوات المعازف النحاسية إلى نغمات الأوتار وعلت الصيحة إلى منتهاها. حتى إذا غال السحاب الضاري جانبا من الشمس وأدماها بأنيابه صكت الصنوج هذه الصكة الفجائية المنكرة التي ختمت بها حكاية الحال، فكأن الشمس قد انشقت كالقطعة المحمية من النحاس الرنان، وكأنها انشطرت شطرين وتوارت بالحجاب. وبعد هذا تأمل كيف تراجعت أصوات تلك الصيحة هابطة تدريجا إلى أن انقطع خوار المعازف، واستقلت رنات الأوتار تنحدر كرش المطر في أول انهماره.
إلى هذا المقام انتهت الإنذارات.
أنظر كيف أخذ جمهور النغمات يخرج من عامة الآلات متموجا تموجا ثقيلا كأول تحرك البحر ليهيج. أتسمع انسكاب الوبل الشديد، وتدفق الميازيب، وعصفات الريح الطويلة التي تبدأ مثل أرنان النادبة وتنتهي مثل غمغمة الأسد الجائع الذي جلس يأكل فريسته؟ أتسمع قرع الحجارة تحت السيول؟ أتسمع تقصف الأشجار المتكسرة؟ أتسمع وقوع الصخور وتهدم الجدران يشمل كل ذلك دوي الرعد الذي يحدثه الطبل ويفزعه الصدى، إلى عدة رعود صغيرة متتالية يحدثها الطبلان الصغيران تحت النقر السريع المتتابع. أليس لكل صوت من أصوات هذه العاصفة ما يحاكيه إما في آلة أو في جمع صوتي آلتين على ترتيب معلوم؟ ألم ترتسم البرق خلال غضب الرعد، ورسم الشجرة الواقعة خلال تقصفها وهي تتكسر على متانة بها؟ أو لم تر نواصي السيول وأعرافها البيضاء خلال وكفها وتهورها وصعودها وتحدرها. هذا منتهى ما يكون هول العاصفة.
اسمع الآن كيف أخذت هذه العناصر الجمة تتناوب مراوحا بين بعضها والبعض. السر في ذلك من جهة أن يستبقي في النفوس شعور باستمرار العاصفة وقد تراخت قليلا بعد الشدة كما هو شأن العواصف، ومن جهة أخرى التمهيد لأسماع الناس أنه ذلك اليتيم في حيرته وخوفه. هذه أنة اليتيم تنطلق من أوتار ذلك العود الضخم القائم كالأمير بين الآلات كأنه سرير داود بين أسرة الملوك في زمانه. أتشعر بما فيها من لذة وحنان؟ ألست مدركا من نفسك أنها زفير طفل حزين؟ أما في هذه الآونة عثرات أشبه بعثرات قدم الطفل المتحير في خفتها وعدم انتظامها؟ ولكن هنا انقطعت النغمة اللطيفة وعاد الإنذار بالهول. سيستأنف جميع ما سمعته من الصيحات والجلبة، غير أنه ملطف كأنه مسموع عن بعد ومن وراء حجاب كثيف. ولم هذا؟ لأن ما يستأنف ليس أصوات العاصفة بالذات بل صداها في دماغ ذلك اليتيم المروع الضعيف.
Halaman tidak diketahui