Muzik Timur dan Nyanyian Arab
الموسيقى الشرقية والغناء العربي
Genre-genre
اضطهاد المحافظة له
كان عبده من أكرم الناس شيمة وأصدقهم عهدا، لا يلبس الحق بالباطل، وقد أشرب حب الديمقراطية. أتفق على ما ذكره لي مؤخرا الأستاذ: سامي الشوا، نقلا عن الأستاذ: محمد كامل الرقاق أن طلب منه أحد محافظي مصر في عهد الخديوي توفيق أن يغني في ليلة معينة بداره فاعتذر عبده إليه من ذلك لسابق تعهده بالغناء في الليلة نفسها مع شخص آخر، فلم يرق للمحافظ الأرستقراطي إتباعه شرعة الديمقراطية المرعية، وأضمر له الحفيظة، وأخذ من ذلك الحين يقاطعه مقاطعة جدية أسفرت عن حرمانه الغناء عند عظماء العاصمة مدة ستة شهور، بمعنى أنه كان يشترط على من يدعونه منهم إلى حضور عرس من الأعراس بأنه لا يحضره إذا استحضروه للغناء، فاضطروا إلى الاستعاضة عنه بالشيخ: صالح العربي، الذي ظهر اسمه في عالم التطريب في ذلك الوقت أو غيره من المطربين، فانزوى في حلوان في تلك المدة دون أن يشتغل ليلة واحدة، فحضر إليه محمد كامل المذكور، ورجاه بأن ينزل معه إلى القاهرة لعل الله يفرج كربه، فوافقه على ذلك ونزلا في لوكاندة الكونتيننتال، وبيما كانا يشربان فيها القهوة ويتجاذبان أهداب الحديث أقبل عليهما محمد بك يكن، وكان في داره عرس فخم مساء ذلك اليوم، وبادر إلى الاعتذار لعبده وقال له إنه لتشديد المحافظ عليه في عدم استحضاره للغناء اضطر إلى الاستعاضة عنه بثلاثة مطربين وهم محمد عثمان ويوسف المنيلاوي ومحمد سالم.
ولما كان عبده من أكمل الرجال عقلا ولا يخشى في الحق لومة لائم آلي على نفسه ألا يسترضي المحافظ؛ لأنه لم يرتكب ذنبا يعاقب عليه، وقال لمحمد بك يكن أن لأعضاء العالة اليكنية قدما في الخير وفضلا عليه فإنه يجد لزاما عليه أن يخدمهم بغنائه في ليالي أفراحهم، وأزمع على الحضور خلسة في منتصف الليل، ورجاه أن يكتم هذا الخبر عن المحافظ الذي سيكون غالبا بين المدعوين، وتم الاتفاق بينهما على ذلك، فعاد محمد يكن بك إلى داره وتركه محمد كامل الرقاق استعدادا للشغل على تخت المنيلاوي كرقاق في تلك الليلة، فما كاد الحضور في السرداق يرى عبده قادما نحو منتصف الليل حتى دوى المكان بالتصفيق، وصعد مباشرة إلى تخت يوسف المنيلاوي، وبدأ يعزف على العود بدون أن يجسه أو يصلحه وغنى قائلا: يا ليل، فرأى محمد الرقاق وهو على التخت المحافظ يبدي لعبده صفحته ويستعد لمغادرة مكانه، وما كاد يسمع «يا ليل» ثانيا حتى طرب واستقر في مكانه، فدوى المكان الفسيح بصوته الرخيم وانتقل من يا ليل إلى موال، ثم إلى بشرف، فدور على تخت يوسف الذي انضم إليه كل من محمد عثمان ومحمد سالم وخلب العقول بغنائه، وأضحى المحافظ يطفر من الطرب، وأخيرا صعد إلى التخت وأخذ يقبل عبده مرارا وتكرارا ودموعه تتساقط على خديه، وطلب منه أن يتناسى ما كان منه، وتعانقا وتصافحا على مرأى من الناس، فكان ذلك منظرا مؤثرا في الحاضرين ودليلا ساطعا على أن الموسيقى ترمي وظيفتها إلى إيجاد المحبة، وتهيئ أسباب السلام، وظهر في أثناء تلك الليلة ميل الجماهير المحتشدة إلى عبده، واعترافهم بالإجماع بعبقريته وزعامته على جميع المطربين.
قوة ابتكاره
وللمرحوم عبده قوة عظيمة في الابتكار والارتجال وقد فاجأ الحاضرين في ليلة عرس فخم لأحد الأعيان في الإسكندرية بتغيير دور «أد ما أحبك زعلان منك» (صبا ) تلحين: محمد عثمان، وقلبه رأسا على عقب فغناه في الحال على نغمة النهوند، ولأول مرة لدى سماعه محمد عثمان يلقيه في العرس نفسه فافتتن الحاضرون بما حباه الله من قوة الصوت والسلطان على المقامات والابتكار والتأليف فجأة بدون استعداد، وكان محمد عثمان في مقدمة من أعجبوا بقدرته الفائقة على هذا الابتكار، وجهر بخضوعه لعبقريته وزعامته، ولا أعتقد أنه إذا أخذ لحنا من ألحان أي ملحن وغناه يعتبر غير قادر على التلحين، كلا وألف كلا ولو عكف على التلحين للحن ألف لحن، لكنه لضيق وقته كان يصرف معظم أوقاته في مجالسه الأمراء ومنادمة العظماء ومواساة الفقراء.
ومن الأمور المسلمة والقواعد الثابتة في علم الموسيقى أن الفضل يرجع إلى الملحن في تلحينه الدور، وإلى المطرب الناشر ذلك الدور على حد سواء، وليس للأول أن يستأثر وحده بهذا الفضل إذ لا فائدة تنجم له من تلحينه إذا لم ينشره المطرب مثل، عبده بما أوتيه من قوة صوت، وحسن إلقاء، وكثيرا ما كان يأخذ الأخير عن ملحن كبير مثل: محمد عثمان أدوارا يبدلها ويزخرفها بريشة رفائيل وينحتها بإزميل ميكلانج وينفخ فيها من روحه ويلحنها تلحينا خاصا بما أوتيه من صوت في إمراره بجميع المقامات مما يعجز عن الإتيان بمثله الملحن الأصلي، إما لضعف صوته، أو لسبب آخر، بمعنى أن ما لحنه الملحن مثلا كان ضمن حدود معينة بحسب صوته، وقضى في إبرازه مدة من الزمن خلافا لعبده، فإن الآلات الوترية لا تجارية في علو الصوت، وأن ابتكاره وتفننه واسعان كالكون ولا حد لهما.
على أن التلاحين المنسوبة للملحنين لا يمكن الجزم بصحة نسبتها كلها إليهم ولو كانت مدونة بأسمائهم في بعض الكتب الموسيقية، إلا إذا كانت تلك التلاحين مسجلة تسجيلا رسميا، لأن الملحن الذي يدعي أنها من بنات أفكاره، وأنه هو الملحن الوحيد لها لا يجد أمام القضاء إذا دعت الحال إلى ذلك ما يثبت زعمه، خلافا لما هو حاصل في بلاد الغرب فإن في خزائن أنديتها الموسيقية ومهارق معاهدها من مودعات تلاحين موسيقييهم في ملفات خاصة بكل واحد منهم ما لا ظل عليه للريب؛ لأنها مسجلة رسميا، وثابتة ثبوتا غير مأخوذ فيه بالظن والتكهن، أو من طريق المشاعر كما هو حادث في أنحاء الشرق.
ومن المحتمل أن ينسب تلحين دور إلى مغن أجاد في إلقائه دون أن يكون ملحنه، كما ينسب خطأ تلحين دور ملحن على أعلى الطبقات إلى ملحن ذي صوت ضعيف.
وليست الشبهة من جهة نسبة التلاحين إلى الملحنين بوجه عام مقصورة على الأدوار بل على مقاماتها أحيانا، مثال ذلك مذهب «ياما أنت واحشني وروحي فيك» تلحين: محمد عثمان فإن المقول عنه في كتب الموسيقى أنه بنغم الحجاز كار والصحيح أن نغمه «الشاه ناز» (دلال الملوك) وقد قام عبده بتغيير نصف تلحين المذهب، ومن هنا يستنتج أن الفضل لا يجب أن يكون مقصورا على الملحن وحده، بل الأوجب إتباعا لشرعة الإنصاف والمساواة أن يجمع الفضل بين الملحن ومؤدي اللحن.
وأزيد على ذلك وأقول أن مذهب «كادني الهوى وصبحت عليل» تلحين: محمد عثمان، لكنه منسوب إلى عبده كما جاء بكتاب كامل الخلعي ص 150، وقد يكون ذلك خطأ، وهو من مقام النهوند قد غناه عبده وأبدع فيه ذات ليلة إبداعا أدى إلى غشيان المرحوم عزت بك - أحد كبار موظفي المالية وقتئذ - وكان من أعاظم هواة الناي فنزل عبده من التخت وأخذ يؤاسيه وينشقه بالأرواح المنعشة ويدلك أطرافه إلى أن أفاق وشكر له رقة عواطفه، ولطيف إحساسه، وشدة تأثير الموسيقى في نفسه.
Halaman tidak diketahui