Masalah Sains Kemanusiaan: Pensistematikannya dan Kemungkinan Penyelesaiannya
مشكلة العلوم الإنسانية: تقنينها وإمكانية حلها
Genre-genre
5
وإذا كان اضمحلال تلك الموضوعية الزائفة قد أسهم في إزالة الفجوة بين العلوم الطبيعية والإنسانية، فقد حق إذن حكم هطن بأنها «مكسب معرفي كبير »،
6
ما دامت توحد طريقهما، وتفتح أمامهما إمكانات تقدمية مشتركة، ولا تجعل الثقة في علمية إحداهما تستبعد الأخرى.
والأهم من روح المنهج وشروطه - موضوعية أم ذاتية أم فوق هذا وذاك - هو أسلوب المنهج ذاته ، إن الإحصاء وحساب الاحتمال أسلوب الإبستمولوجيا المعاصرة، فقد أسقطت المثال الأقليدي المفضي إلى نتائج يقينية بتحديداته الفردية، والمستعصي أصلا على العلوم الإنسانية التي يناسبها تماما الإحصاء كما هو مسلم به الآن، والجدير بالذكر أن أقطاب العلوم الإنسانية إبان القرن التاسع عشر، وفي تشوفهم لعلمنة دراستهم، شنوا حربا شعواء على الإحصاء، حتى إن ثمة عالما بلجكيا في الفلك والاجتماع يدعى أدلف كيتليه، أصدر عام 1835 كتابا بعنوان «حول الإنسان وتطور ملكاته، أو محاولات في الفيزياء الاجتماعية» وأعيد نشره عام 1869 تحت عنوانه الرئيسي: «الفيزياء الاجتماعية» كدس فيه كيتليه العديد من المعطيات الإحصائية حول عدة مئات من الظواهر الاجتماعية، ومعطيات ديموغرافية، متسائلا: أفلا تظهر المعطيات المتعلقة بالظواهر الإجرامية مثلا تناسقات وانسجامات لا تختلف عن تلك الملاحظة في علوم الطبيعية؟ فكان الإحصاء عند كيتليه هو المعبر إلى علمية علم الاجتماع، تفكيره إذن متقدم عن عصره الغارق في الحتمية العلمية، بيد أن سلطانها آنذاك حكم عليه أن يروح في طي النسيان، فقد دفعت الحتمية بأوجست كونت إلى ردة فعل جامحة ضد كيتليه، وكما يقول بودون عن كونت: «إذ بينما برهن - أو ظن أنه قد برهن - على انقطاع العلوم جاء كيتليه ليجعل من علم الوقائع الاجتماعية فيزياء اجتماعية مدعيا أنه استعمل المعنى الحقيقي للفظة فيزياء، بينما نعت حساب الاحتمال بأنه سيلاقي عقاب الجماعة.
تصور كيتليه إمكانية تطبيق هذا الحساب على الظواهر الاجتماعية»،
7
هكذا جعلت الحتمية كونت يثور على الإحصاء المفضي إلى نتائج احتمالية، وبعد أن اعتزم تسمية العلم الجديد بالفيزياء الاجتماعية، عزف عن هذا، وأسماه علم الاجتماع بدلا من «الفيزياء الاجتماعية» التي دنسها كيتليه بالاحتمال والإحصاء، وعلى الرغم من تأكيد كونت أن الرياضة هي النموذج الأمثل الذي ينبغي أن تحتذيه كل دراسة لكي تصير علما، فإنه قد لاحظ أن الظواهر الاجتماعية أكثر تعقيدا؛ لذلك فإن تطبيق المنهج الرياضي في دراستها سيكون محدودا قد يعطي الوهم العلمي، لكن لن يعطينا الحتمية - العلم الحق - وسحقا لكل ما يمس الحتمية العلمية، أجل سحقا! وليس هذا تعبيرا إنشائيا، بل دلالي، فمثلا أدان كونت المجهر؛ لأنه يهدم الصورة البسيطة لقوانين الغازات المتسقة مع التصور الحتمي، هذا التشبث الأهوج بالحتمية، وإلى الدرجة التي تلهي فيها الوسيلة عن الغاية يعطينا تفسيرا لمعوقات التقدم عموما، وفي العلوم الإنسانية خصوصا؛ لأن الحتمية العلمية تنفي الحرية الإنسانية، وإمكانات الاختيار نفيا باتا كما أكد أوجست كونت وسائر الوضعيين في علم الاجتماع، ومعهم السلوكيون في علم النفس، بينما الحرية الإنسانية وإمكانية الاختبار بين البدائل ظاهرة أكيدة في واقع الإنسان،
8
ولا يتأتى الوصف والتفسير الكفء بغير أخذها في الاعتبار كما يسلم مثلا علم النفس المعرفي، وفروع أخرى من العلوم الإنسانية استطاعت استشراف ما يستشرفه من إمكانات تقدمية.
Halaman tidak diketahui