Masalah Sains Kemanusiaan: Pensistematikannya dan Kemungkinan Penyelesaiannya
مشكلة العلوم الإنسانية: تقنينها وإمكانية حلها
Genre-genre
ومنذ أن استعمله جاليليو قائلا إنه مكتوب بلغة الرياضيات، تعبير شائع في تلك المرحلة للدلالة على نشاط العلماء، إنه محض قراءة مصوغة باللغة الرياضية، محض مشاهدة لوقائع التجريب، ثم تعميمها، فلا إبداع ولا فروض، بل وفي تجسيد وتجريد الفلسفة لروح الموضوع وعصره، عمل فرانسيس بيكون على تحذير العلماء من مغبة الفروض، وأسماها «استباق الطبيعة» موضحا طرق تجنبها، هكذا لم ينحصر الاستقراء في تلك المرحلة المبكرة من تاريخ العلم الحديث في البدء بالملاحظة، بل وأيضا في الاقتصار عليها.
ومع انتهاء الصراع مع سلطة رجال الدين واستقلال حركة العلم الطبيعي، ثم تحررها التام بفضل قوتها المنطقية المتنامية، شهد القرن الثامن عشر فكرة الفرض العلمي تتقدم على استحياء خصوصا على يد عالم الكهرباء الفرنسي أمبير، ثم تعاظم شأنها وأثبتت ذاتها في القرن التاسع عشر خصوصا بفضل العالم الفرنسي المتوقد الذهن كلود برنار
C. Bernard (1803-1878) الذي أكد وأثبت أن عماد البحث العلمي شقان: الفرض والملاحظة،
7
ولكن ظل الفرض أيضا استقرائيا؛ أي متصورا أنه آت من الملاحظة وتال لها - إن لم يكن مجرد نتيجة لها - ليتم اختباره، وإن اجتاز الاختبار يصاغ في قانون .
هكذا عدنا إلى موقعنا، إلى قلب حركة العلم وعواملها الداخلية لنجد أن المنهج الاستقرائي يتساوق مع إبستمولوجيا العلم الحديث زمانيا وتاريخيا، وهو هكذا لأنه على تمام التساوق والاتساق المنطقي مع تفسيرها الميكانيكي للكون ومبدئها الحتمي، وإذا كانت فرضية الاستقراء كمنهج قد مكنت رجال العلم من خوض صراعهم مع رجال الدين والانتصار عليهم، فإن الحتمية الميكانيكية قد مكنت لفرضية الاستقراء من التربع جاثمة على صدر حركة العلم الحديث «الكلاسيكي». وأولا وقبل كل شيء عملية التعميم الاستقرائي لما شوهد ولوحظ على ما لم يلاحظ تستند منطقيا إلى مبدأ العلية
Causality ، كتبرير للتعاقب المشاهد «مثلا رفع درجة الحرارة، ثم تمدد القضيب 1، 2، 3، ن ... من الحديد» وتبرير لشموليته، فلما كانت العلية كونية فهي تحكم بمثل هذا التعاقب في كل زمان ومكان، فيمكن تعميم ما لوحظ في قانون علمي «في مثالنا: الحديد يتمدد بالحرارة». وكما هو معروف، العلية هي الوجه الآخر للحتمية.
وكل وجوه أو عناصر الحتمية الميكانيكية هي الأخرى تتساوق وتتسق مع الاستقراء كمنهج، فإذا كانت الحتمية تعني - كما ذكرنا - ضرورية قوانين الطبيعة المطردة دائما وثبوتها ويقينها فلا تخلف، ولا مصادفة، ولا احتمال موضوعيا. فسوف يكون الجزء شاهدا على الكل، وتكفي ملاحظة بسيطة، وقائع تجريبية محدودة، ثم تعميمها، لا سيما أن العلم الكلاسيكي تعامل مع ظواهر كبرى، جميعها واقعة في خبرة الحواس، فتبدو موضوعا قابلا للملاحظة المباشرة، بموضوعية مطلقة، بلا أدنى تدخل من الذات العارفة، ويكاد يقتصر عملها على تعميم وقائع الملاحظة المحدودة في قوانين كلية، وسنصل في النهاية إلى الصورة الكاملة لكون ميكانيكي: آلة ضخمة مغلقة على ذاتها من مادة واحدة متجانسة، وبواسطة عللها الداخلية، وتبعا لقوانينها الخاصة تسير تلقائيا في مسارها المحتوم.
فكانت كل خطوة ناجحة يحرزها العلم الكلاسيكي في إطار مشروعه الحتمي الميكانيكي، تؤكد الاستقراء ويتأكد بها. ومنذ الوهلة الأولى بدا للعيان أن هذا النجاح المنقطع النظير الذي أحرزه العلم دونا عن كل محاولات المعرفية التي بذلها الإنسان من قبل لا بد أنه يدور وجودا وعدما مع العنصر المستحدث في هذا النسق المعرفي الجديد - العلم - العنصر المستحدث هو التجربة: الاعتماد النظامي على معطيات الحواس، فبدأ العلم تجريبيا متطرفا - لردة الفعل العكسية للاستنباط الأرسطي - ثم جعله نجاحه يتطرف أكثر وأكثر في تجريبيته، إن الاستقراء الذي يبدأ بالملاحظة التجريبية، ليتقهقر دور العقل والإبداع الإنساني - إن لم يلغ - هو طبعا صورة من صور التجريبية المتطرفة.
وأتى جون ستيوارت ميل
Halaman tidak diketahui