Padang Emas dan Lombong Permata
مروج الذهب ومعادن الجوهر
ورأت العرب أن جولان الأرض وتخير بقاعها على الأيام أشبه بأولى العز وأليق بذوي الأنفة، وقالوا: لنكون محكمين في الأرض ونسكن نشاء أصلح من غير ذلك، فاختاروا سكنى البدو، من أجل ذلك. وذكر آخرون أن القدماء من العرب لما ركبهم الله من سمو الأخطار ونبل الهمم والأقدار، وشدة الأنقة، والحمية من المعرة، والهرب من العار، بدأت بالتفغير في المنازل، والتقدير للمواطن، فتاملوا شان المدن والأبنية، فوجدوا فيها معرة ونقصا، وقال ذو المعرفة والتمييز منهم: أن الأرضين تمرض كما تمرض الأجسام، ولحقها الآفات. والواجب تخير المواضع بحسب أحوالها من الصلاح. إذا الهواء ربما قوي فأضر بأجسام م سكانه، وأحال أمزجة قطانة، وقال ذوى الآراء منهم: إن الأبنية والتحويط حصر عن التصرف في الأرض، ومقطعة عن الجولان، وتقييد للهمم، وحبس لما في الغرائز من المسابقة إلى الشرف، ولا خير في اللبث على هذه الحالة. وزعموا أيضا أن الأبنية والأطلال تحصر الغذاء وتمنع اتساع الهواء، وتسد سروحه عن المرور وقذاه عن السلوك، فسكنوا البر الأفيح الذيلا يخافون فيه من حصر ومنازلة ضر، هذا مع ارتفاع الأقذاء، وسماحة الأهواء، واعتزال الوباء، ومع تهذيب الأحلام في هذه المواطن، ونقاء القرائح في التنقل في المساكن، مع صحة الأمزجة، وقوة الفطنة، وصفاء الألوان وصيانة الأجسام. فإن العقول والاراء تتولد من حيث تولد الهواء، وطبع الهواء الفضاء وفي هذا الأمن من العاهات والأسقام والعلل والآلام، فآثرت العرب سكنى البوادي والحلول في البيداء، فهم أقوى الناس همما، وأشدهتم أحلاما، وأصحهم أجساما، وأعزهم جارا، وأحماهم ذمارا، وأفضلهم جوارا، وأجودهم فطنا؛لما أكسبهم إياه صفاء الجو ونقاء الفضاء،لأن الأبدان تحتوي أجزاؤها على متكاثف الأكدار وعناء الأقذار مما يرتفع أليه، ويتلاطم في عرصاته وأفقه من جميع المستحيلات، والمستنقعات من المياه، ففي أكنافه جميع ما يتصعد إليه، ولذلك تراكبت الأقذاء والأعواء والعاهات في أهل المدن، وتركبت في أجس أمه م، وتضاعفت في أشعارهم وأبصارهم، ففضلت العرب على سائر من عداها من بوادي الأمم المتفرقة لما ذكرنا من تخيرها الأماكن وارتيادها المواطن.
قال المسعودي: ولذلك جانبوا فظاظة الأكراد وسكان الجبال من الأجيال الجافية وغيرهم الذين مساكنهم حزون الأرض ودهاسها، وذلك أن هذه الأمم الساكنة هذه الجبال والأودية تناسب أخلاقها مساكنها في انخفاضها وارتفاعها؛ لعدم استقامة الاعتدال في أرضها، فلذلك أخلاق قطانها على ما هي عليه من الجفاء والغلظ.
خطيب العرب عند كسرى يعلل اختيار قومه البداوة
Halaman 217