Padang Emas dan Lombong Permata
مروج الذهب ومعادن الجوهر
وإن الإسكندرية لما أحكم بنيانها وأثبت أساسها وجن الليل عليهم خرجت دواب من البحر فأتت على جميع ذلك البنيان، فقال الإسكندر حين أصبح: هذا بدء الخراب في عمارتها، وتحقق مراد الباري في زوالها، وتطير من فعل الدواب، فلم يزل البناء يثنى في كل يوم ويحكم، :يوكل به من يمنع الدواب إذا خرجت من البحر، فيصبحون وقد أخرب البنيان، فقلق الإسكندر لذلك، وراعه ما رأى، فأقبل يفكر ما الذي يصنع، وأي حيلة تنفع في دفع الأذية عن المدينة، فسنحت له الحيلة في ليلته عند خلوته بنفسه وإيراده الأمور وإصدارها، فلما أصبح دعا بالصناع فاتخذوا له تابوتا من الخشب طوله عشرة أذرع في عرض خمس،، وجعلت فيه جامات من الزجاج قد أحاط بها خشب التابوت باستدارتها، وقد أمسك ذلك بالقار والزفت وغيره من الأطلية الدافعة للماء، حذرا من دخول الماء إلى التابوت، وقد جعل فيها مواضع للحبال، ودخل الإسكندر في التابوت هو ورجلان معه من كتابه ممن له علم باتقان التصوير ومبالغة فيه وأمر أن تسد عليهم الأبواب، وأن تطلى بما ذكرنا من الأطلية، وأمر فأتي بمركبين عظيمين، فأخرجا إلى لجة البحر، وعلق على التابوت من أسفل مثقلات الرصاص والحديد والحجارة لتهوي بالتابوت سفلا إذ كان من شأنه لما فيه من الهواء أن يطفو فوق الماء ولا يرسب في أسفله، وجعل التابوت بين المركبين، فألصقهما بخشب بينهما لئلا يفترقا، وشد حبال التابوت إلى المركبين وطؤل حباله، فغاص التابوت حتى انتهى إلى قرار البحر، فنظروا إلى دواب البحر وحيوانه من ذلك الزجاج الشفاف في صفاء ماء البحر؟ فإذا هم بشياطين على مثال الناس ورؤوسهم على مثال رؤوس السباع، وفي أيدي بعضهم الفؤوس، وفي أيدي بعض المناشير والمقاطع، يحاكون بذلك صناع المدينة والفعلة وما في أيديهم من آلات البناء، فأثبت الإسكندر ومن معه تلك الصور وأحكموها بالتصوير في القراطيس، على اختلاف أنواعها وتشوه خلقتهم وقدودهم وأشكالهم، ثم حرك الحبال، فلما أحس بذلك من في المركبين جذبوا الحبال وأخرجوا التابوت، فلما خرج الإسكندر من التابوت وسار إلى مدينة الإسكندرية أمر صناع الحديد والنحاس والحجارة فصنعوا تماثيل تلك الدواب على ما كان صؤره الإسكندر وصاحباء، فلما فرغوا منها وضعت الصور على العمد بشاطئ البحر، ثم أمرهم فبنوا، فلما جن الليل ظهرت تلك الدوالب والآفات من البحر، فنظرت إلى صورها على العمد مقابلة إلى البحر، فرجعت إلى البحر ولم تعد بعد ذلك.
ثم لما بنيت الإسكندرية وشيدت أمر الإسكندر أن يكتب على أبوابها هذه الإسكندرية، أردت أن أبنيها على الفلاح والنجاح واليمن والسعادة والسرور والثبات في الدهور، فلما يرد الباري عز وجل ملك السموات والأرض ومفني الأمم أن نبنيها كذلك، فبنيتها وأحكمت بنيانها، وشيدت سورها، وآتاني الله من كل شيء علما وحكما، وسهل لي وجوه الأسباب، فلم يتعذر علي شيء في العالم مما أردته، ولا امتنع عني شرء مما طلبته، لطفأ من الله عز وجل، وصنعا بي، وصلاحا لي ولعبادي من أهل عصري، والحمد لله رب العالمين، لا إله إلا الله رب كل شيء.
ورسم الإسكندر بعد هذه الكتابة كل ما يحدث ببلده من الأحداث بعده في مستقبل الزمان: من الآفات، والعمران، والخراب، وما يؤول إليه إلى وقت دثور العالم.
وكان بناء الإسكندرية طبقات، وتحتها قناطر مقنطرة، عليها دور المدينة، يسير تحتها الفارس وبيده رمح لا يضيق به حتى يدور جميع تلك الأزاج والقناطر التي تحت المدينة، وقد عمل لتلك العقود والازاج مخاريق، وتنفسات للضياء، ومنافذ للهواء.
وقد كانت الإسكندرية تضيء بالليل بغير مصباح، لشدة بياض الرخام و المرمر، وأسواقها وشوارعها وأزقتها مقنطرة بها لئلا يصيب أهلها شيء من لمطر، وقد كان عليها سبعة أسوار من أنواع الحجارة المختلفة ألوانها، بينها خنادق، وبين كل خندق وسور فصلان، وربما علق على المدينة شقاق الحرير الأخضر؟ لاختطاف بياض الرخام أبصار الناس لشدة بياضه.
فلما أحكم بناؤها، وسكنها أهلها، كانت آفات البحر وسكانه - على، زعم الإخباريون من المصريين والاسكندريين - تختطف بالليل أهل هذه لمدينة، فيصبحون وقد فقد منهم العدد الكثير.
المال
Halaman 165