" الفتح بن عبد الله ": صاحب القلائد من أئمة كتاب الأندلس في المائة السادسة، ونثره في كتاب القلائد قد إشتهر عند العام والخاص إبداعه فيه، ومن عنوان طبقت قوله: يوم قد نشر من غيمه رداء ند، وسكب من قطره ماء ورد، وأبدى من برقه لسان نار، وأظهر من قوس قزحه حنايا أنس قد حفت بشقيق وجلنار، والروض قد بعث رياء، وبث الشكر لسقياء؛ وقوله: ليلة قد ثنى السرور منامها، وأمتطى الحبور غاربها وسنامها، وراع الأنس فؤادها، وستر بياض الأماني سوادها، وغازل نسيم الروض زوّارها وعوادها؛ وقوله في شخص يذمه: رمد جفن الدين، وكمد نفوس المهتدين، أشهر سخفًا وجنونًا، وهجر مفروضًا ومسنونًا، ناهيك من رجل ما تطهر من جنابة، ولا أظهر نخيله أنابة ولا أقر بياريه ومصوره، ولا قر عن تباريه في ميدان تهوره.
" أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الحجازي ": من أئمة بلاغة النثر في العصر المذكور، وله في كتاب المسهب بلاغة لاحقة بالطبقة العالية، ومن عنوان ذلك قوله. ملك قمري الوجه، سحابي اليد، روضي الجناب، لو برز للبحر تطأطأت أمواجه، ولو بدا للشمس توارت بالحجاب.
" أبو جعفر بن عطية الطرطوشي ": إمام الكتاب في صدر دولة عبد المؤمن وعنوان طبقته قوله: وقد حكت الدماء على صفحة الماء، حمرة البرق في زرقة السماء، وقوله وقد هزم بد المؤمن رياحًا وهم من بني هلال بن عامر. وحل الويل بهلال إبن عامر، فأفل الهلال وخرب العامر.
" أبو عبد الله بن عياش ": كاتب الناصر وغيره من بني عبد المؤمن، وواسطة عقد ترسله قوله في رسالة كبها عند نزول الناصر على المهدية برًا وبحرًا وإسترجاعها من أيدي الملثمين: ولما حللنا عرى السفر بأن حللنا حمى المهدية، تفاءلنا بأن يكون لمن ألم بساحتها هدية، فأحدقنا بها إحداق الهداب بالعين، وأطرنا لمختلس وصالها غربان البين، فبات بليلة نابغية، وصافح يومًا صافحته فيه يد البلية، ولما إجتلينا منها عروسًا قد مد بين يديها بساط من الماء، وتوجت بالهلال، وفرطت بالثريا ووشحت بغيوم السماء، والسحب نسجت عليها أردانًا تبديها تارة متلثمة وطورًا سافرة، وكأنما شرفتها المشرفة أنامل مخضبة بالدياجي مختمة بالكواكب الزاهرة، تضحى ضاحكة عن شنب لا تزال تقبله أفواه المجانيق، وتمسي باسمة عن لعس لا تبرح ترشفه سهام الحريق، خطبناها فأرادت التنبيه على قدرها، والتوفير في أغلاء مهرها، " ومن خطب الحسناء لم يغله المهر "، فتمنعت تمنع المقصورات في الخيام، وأطالت أعمال العامل في خدمتها وتجريد الحسام، إلى تحققت عظم موقعها في النفوس، ورأت كثرة ما ألقى إليها من نثار الرؤوس، فجنحت إلى الإحصان بعد النشوز، ورأت اللجام في الإمتناع من قبول الإحسان لا يجوز، فأمكنت زمامها من يد خاطبها بعد طوة خطبها وخطابها، وأمتعته على رغم رقيبها بعناقها ورشف رضابها، فبات بها معرسًا حيث لا حجال إلا من البنود، ولا خلوق إلا من دماء إبطال الجنود، فأصبح وقد تلألأت بهذه البشائر وجوه الأقطار، وطارت بمسارها سوانح البراري وسوائح البحار، فالحمد لله الذي أقر الحق في نصابه، واسترجعه من أيدي غصابه، حمدًا يجمعهما بشمل النعم، ويلقحها كما تلقح البحار الديم، فشنفوا الأسماع بهذه البشائر، وأملؤا الصدور بما يرويه لكم من أحاديثها كل ورد وصادر، فهو الفتح الذي تفتحت له أبواب السماء، وعم الأمن والخير به بسيطي الأرض والماء، فشكر الله عليه فرض، في كل قطر من أقطار الأرض.
" النجم القوصي وزير صاحب حماه ": من بلغاء أهل مصر في المائة السابعة ومن وعنوان طبقته قوله: ولما ساحة الرياض نثرت علينا أغصانها درر الأزاهر عن قرى، ومدت لنا مقطعاتها سبائك فضة تثير كف النسيم فيها جوهرًا، والأطيار تتخاصم في أكرامنا بكل فنن، وتهز سيفًا من كل قد نتذكر به سيف إن ذي يزن، والراح في الأكوس تدور، كأنها شموس في بدور، والخدود على غررها شاهدة، وأن أمست الألسن لها جاحدة.
1 / 6