سأله الكشافة الصغير على الفور، وقد بدأ تمرده يخفت: «هل هي حصان؟»
فقال جيمي: «لا، إنها شيء أغلى ثمنا من عدد كبير من الخيل. دعك من أمرها الآن. ثمة شيء آخر أريد إخبارك به. لقد أتيت لتوي من المستشفى.»
انسحب الصغير من جيمي شيئا فشيئا. وببطء اتسعت العينان الرماديتان. وببطء انقبضت يداه. وببطء راح صدره الصغير يرتفع وينخفض مرة أخرى. «آه!» جاءه صوت الصغير مبحوحا. «آه! لا، لم يرحل ليخلد للنوم الهانئ، أليس كذلك؟»
جلس جيمي ساكنا وجال ببصره في أنحاء المحيط. كان الخبر بمثابة ضربة وجد نفسه عاجزا عن تسديدها. وببطء تحولت عيناه إلى الوجه المفزوع للطفل الذي بجانبه، وإذا بالكشافة الصغير يرتمي بجسده المرتجف بين ذراعيه ويدفن وجهه المنقبض في صدره، ولمدة قصيرة من الوقت وجد جيمي صعوبة في احتواء الجسد المتلوي بين ذراعيه. فطرأت على باله فكرة غريبة. تلك الصخرة التي كان قد سماها العرش لم يكن ذلك الاسم الأنسب لها. فقد بدا أنها مكان يأتي إليه الناس بمتاعبهم. إذ كان في موقف سابق عليها ضم بين ذراعيه جسد امرأة معذبة لأقصى درجات الاحتمال. والآن يضم جسد طفل هزيل وخفيف للغاية حتى إنه لا يكاد يقدر على التحكم في ذراعيه الطويلتين لإعطائه الدعم المطلوب.
قال جيمي متوسلا: «توقف!» ثم أردف قائلا: «لا تنظر إلى الأمر هكذا! دعني أخبرك شيئا. لقد جرى الأمر كما جرى مع عمتك بيث. كان في الليل من دون حتى أن يوقظ سيد النحل. وكانت يداه مضمومتين على صدره هو الآخر. وكان على وجهه ابتسامة رائعة، الابتسامة نفسها التي وصفتها بالضبط، الابتسامة التي تبدو وكأن هناك سرا عظيما كانت الشفتان المضمومتان ستنطق به لو أنهما تستطيعان الحركة.»
تلمس جيمي منديله وأخذ وجه الكشافة الصغير ومسح الدموع المنهمرة ثم وضع يده الكبيرة تحت الوجنتين المرتعشتين وظل متشبثا بهما.
ثم قال يرجوه: «لا تبك هكذا.» وتابع: «إنك تعذب نفسك تعذيبا بالغا! ما كان سيد النحل ليروقه ذلك. ألا تذكر حين قلت إن كل الملائكة ستسر حين ترى عمتك بيث وهي آتية تسير، مستقيمة القامة وشامخة، وبخطوات واثقة، على الطرق المزروعة بالزهور في الجنة؟ هذا ما سيحدث مع سيد النحل. إنك تتصرف بأنانية حين تبكي هكذا. فإنك لا تفكر فيه، وعن رجوعه لماري وفتاته الصغيرة؛ إنك تفكر في نفسك.»
على الفور استقام الجسد الصغير. «بالتأكيد أفكر في نفسي! ولماذا لا أفكر في نفسي؟ فهي كل ما لي، أليس كذلك؟ من الذي سيتألم حين أشعر بوجع أو لا أقوى على السيطرة على بيل السمين الطيب، أو حين لا أستطيع أن أجعل أحدا يفهم أي شيء من الأشياء التي كان دائما يفهمها؟ فلم يكن هو الوحيد الذي باح بأسراره. حين أخبرني بكل شاردة وواردة عن خيبة مسعاه والناس الذين جنوا عليه، لم يكن وحده من تكلم. فقد عرف عني بقدر ما عرفت عنه، والآن ليس لدي إنسان على قيد الحياة لأذهب إليه ويفهمني! ماذا سأفعل؟ فقط أجبني على ذلك السؤال! ماذا أنا فاعل؟»
وعلى نحو مفاجئ وجد جيمي نفسه يأخذ الوجه البائس الذي أمامه بين يديه؛ وجد نفسه يضعه على وجهه، على إحدى صفحتي وجهه أولا ثم على الأخرى؛ وجد نفسه يحتضن الجسد الضعيف حتى شعر أنه يكاد يهشم عظامه، ثم سمع صوته عميقا ومبحوحا وهو يقول: «تأتي إلي مباشرة! حين يكون لديك سر تريد حفظه، وحين لا يبدو أن هناك من يفهمك، وحين ينقلب عليك بعض أفراد مجموعتك وتتعقد الأمور، تعال إلي!»
على الفور تملص الكشافة الصغير منه. ولقي جيمي نظرة ثابتة ذات عمق ورجاء لم ير لهما مثيلا قط في عيون البشر.
Halaman tidak diketahui