وعندئذ على نحو مفاجئ شعر جيمي بالسيدة بين ذراعيه تلتصق به. شعر بيديها على صدره. شعر بهما تلتمسان وجهه. وشعر بالأنفاس الحارة الصادرة عن صوتها.
قالت بأنفاس لاهثة: «أنا لا أصدق!» وأضافت: «ويحي، أنا لا أصدق! هل ستحصل على رخصة زواج بي! هل ستقف معي في المراسم! هل ستتركني أحمل اسمك!»
بلغ جيمي اليد التي على وجهه وأمسكها بإحكام بيده اليسرى. كان سريع الخاطر فأحكم قبضته حول الكتفين المستسلمتين له. كان لديه من صفات الرجل الاسكتلندي ما جعله يسيطر على الموقف.
قال: «أنت على حق تماما، سوف أفعل!» وتابع: «إنني أحدثك بالحقيقة. انظري، إن كنت لا تصدقينني. سوف أقنعك.» وانتقل باليد التي أمسكها حتى لمست أصابعها الأربطة التي على صدره. ثم سألها: «هل أحسست بها؟» وأضاف: «إنك لا تلمسين جسد رجل. إنها أربطة تغطي جسد رجل، وتحت تلك الأربطة يوجد جرح مفتوح لن يندمل أبدا. أنا أحدثك بالحقيقة. لا يوجد على وجه الأرض شخص يمت لي بصلة قرابة. لا يوجد من يهتم بما أفعله باسمي أو الشهور القليلة المتبقية من حياتي. أقرب من كان لي من أسرتي هما أمي وأبي، وكلاهما قد توفيا، ولو كان أي منهما موجودا في هذه اللحظة، لقال: «تستر على عار الطفل باسمك، يا جيمي»!» «جيمي!» قالت صاحبة الصوت المجاورة له لاهثة قليلا. وتابعت: «لا يوجد في العالم بأسره اسم أحلى من ذلك لتعطيه لطفل صغير، إذا كان صبيا. لكنها تضحية كبيرة جدا! إنه شيء لا ينبغي أن يطلب من أي رجل، مهما كان حرا، ومهما كان راغبا!»
قال جيمي: «حسنا، أؤكد لك أنني حر. سوف أثبت ذلك بذكر وثائق يمكنك العثور عليها. أنا جزء من تداعيات الحرب . تستطيعين العثور على اسمي إذا بحثت عنه في المكان المناسب. وها أنا أخبرك الآن أنه جيمس لويس ماكفارلين، ومنذ وعيت الدنيا وأمي وأبي ينادياني جيمي. وقد هربت من المستشفى منذ بضعة أيام لأن حالتي ميئوس منها ولم أرد الذهاب حيث أرادوا أن يرسلوني. هل تعرفين كامب كيرني؟ هل تعرفين قرية الخيام المخصصة للطاعون الأبيض؟ لم أكن مصابا به ولم أرد الذهاب إلى هناك؛ لذلك وليت الفرار. ابتعدت حتى المنحل القائم تحت بالضبط على سفح الجبل، ولم أقو على الابتعاد أكثر من ذلك. كنت أسير مترنحا نحو سيد النحل حتى ينجدني، لكنه سبقني إلى ذلك، وطلب مني أن أنجده. ظننت أنني لن أستطيع، لكنني استطعت. ساعدته على بلوغ المستشفى في الوقت المناسب لإجراء الجراحة له. وإنني الآن مقيم في منزله، أرعى أملاكه. لقد أخبرتك باسمي بكل صدق، وأين تستطيعين العثور علي. وأقول لك إن بإمكانك الحصول على اسمي وقتما أردت الحصول عليه.» «غدا؟» قالت الفتاة لاهثة الأنفاس. «هل تسمح لي بالحصول عليه غدا؟»
قال جيمي: «وقتما تريدين، وأينما تريدين.» وتابع: «أخبريني أين تريدين أن أذهب وماذا تريدين أن أفعل.»
وعندئذ، قبل أن يدرك جيمي مطلقا ماذا كان يحدث له أو ما الذي على وشك الحدوث، شعر بتحول آخر في وضع المرأة التي بين ذراعيه، وفي اللحظة التالية طوقته بذراعيها. ثم أمسكت يداها بجانبي رأسه، ورفع وجهه لأعلى، ومال إلى وجهه وجه مبلل بارد مالح، ولمست شفتان باردتان وجنتيه، وقال صوت لاهث: «أوه، كم أنت طيب! كم أنت طيب! لم أكن أعلم أن هناك في العالم كله رجلا مثلك! هل تقابلني غدا عند الساعة الثالثة في مكتب الزواج في لوس أنجلوس؟ هل ستعمل حقا على استخراج رخصة الزواج؟ هل ستقف معي خلال المراسم التي فيها إنقاذ حياتي ورفع عبء أسود عني؟»
قال جيمي: «سوف أفعل!» أجابها جيمي. ثم أضاف قائلا: «لا تشغلي بالك ولو دقيقة أخرى. جففي عينيك وابتهجي! سأكون هناك ويشهد على ذلك الله من فوق عرشه وتأكدي أنه ما زال في هذا العالم عدالة للنساء. وإن لم تجديني هناك، فاعلمي أن النمر الأحمر (أسد الجبال الأمريكي) قد التهمني حتى الأحشاء فلم يعد بمقدوري الوصول، لكن لا تقلقي، لأنني سأكون هناك. فلا يمكن أن يمنحني الله هذه الفرصة المشرقة ثم ينتزعها مني.» «هلا جلست هنا، في هذا المكان، بضع دقائق أخرى؟» سألته الفتاة. «سأبقى الليل بطوله إذا طلبت مني ذلك»، قال جيمي رابط الجأش، بيد أنه لم يكن رابط الجأش تماما؛ إذ كان قلبه يتمزق حتى إنه خاف أن يسقط من الفتحة التي تعلوه، وكان دمه يندفع في عروقه كما لم يعهده من قبل قط. ربما كانت الفتاة بين ذراعيه باردة ومبتلة وملطخة بالملح، لكنه لم يكن باردا ولا مبتلا. ومن ثم عانقته عناقا قويا آخر وقبلته قبلة أخرى - تصادف أن تأتي على طرف أنفه بالضبط، وليس المكان الذي أراده على الإطلاق - ثم رحلت وسمع خطوات سريعة تهبط مؤخرة الصخرة، واستطاعت أذناه المدربتان أن تسمعا أول وقع أقدام على الشاطئ المعتم.
جلس هناك وانتظر بينما ينظر على الأمواج المتكسرة وعبر البحر المتلاطم، وما لبث أن هدأ من روعه حتى يتسنى له التفكير بمنطق وهدوء، ثم قال: «مثل هذا الحدث السريع يدل على ما يبدو على أن ما تبقى لي من العمر هو وقت قصير، وإن كان لدي فرصة فعل شيء عظيم في هذا العالم فعلي أن أفعله وبسرعة. لذلك سأشرع في الساعة الثالثة من عصر الغد فيما يبدو لي أنه الجزء المشرق من مغامرتي الكبرى.»
الفصل الثامن
Halaman tidak diketahui