راح الجسد الصغير يجول في أنحاء الممشى وهو يقوس ذراعيه فوق رأسه حتى تتلامس أصابعهما أحيانا، وأحيانا أخرى يمد الذراع اليمنى ويرفعها باسطا اليسرى خلفها مثل كوكب عطارد في مداره، وهو يدور، ويشب كأنه يلتقط فراشات من الهواء، راقصا وحده تماما في منتصف وقت بعد الظهر تحت شمس كاليفورنيا. وبعد ذلك، عندما اعتراه التعب، تحول الفتى فجأة من الرقص إلى السير في اتجاه جيمي مباشرة. حيث يوجد في منتصف الطريق حوض زنابق مادونا. فتوقف الطفل أمامه وانحنى، وأخذ يحدق في وجوه الزنابق، وعندئذ اتسعت عينا جيمي وارتسمت على وجهه ابتسامة غريبة متعجبة. فما رآه كان شخصا صغيرا جدا جاثيا على ركبتيه، وقد اتجه مرفقاه للخارج، ووضع يديه على جنبيه، وانحنى نصف انحناء، واتجهت عيناه نحو السماء، وهو يمتص بنشوة ميسم زنبقة مادونا، الواحدة تلو الأخرى!
اتسعت ابتسامة جيمي فصارت ضحكة مكتومة حين لاحظ أن إحدى المياسم التي فاضت بالرحيق قد أسالت قطرة على البتلة، فدعم الطفل الجزء السفلي من البتلة، ولعق القطرة مستحسنا المذاق ثم نهض وسار عبر الممشى متكاسلا حتى سحب جيمي أصابع قدمه؛ إذ إنها كانت في ألم ووهن بالغ، ولم يكن يريد أن تداس.
توقف الفتى ونظر إلى جيمي، من قمة رأسه المتعب المريض إلى أخمص قدميه المتورمتين تورما بالغ السوء، فارتسمت الدهشة على الوجه الصغير، لكن لم يكن هناك أدنى علامة على الخوف ولم يكن هناك حركة تراجع. فقد ظل ثابتا في مكانه.
قال الطفل: «أوه، مرحبا!»
أجابه جيمي: «مرحبا!» بقدر ما استطاع من الود بصوت خشن مؤخرا من الشعور بالشفقة على الذات.
تساءل الشخص الصغير: «أين سيد النحل؟»
تردد جيمي. كان قد صار قريبا بما يكفي لينظر في أعماق العينين الموجهتين إليه، وقد أدهشه أن وجدهما أشد عمقا ، وأقوى إفصاحا، وأكثر فهما، من أي عينين شهدهما قط في شخص قريب من ذلك العمر. كان ثمة أشياء قابعة في أغوار العينين الرماديتين الضاربتين للون البني اللتين التقتا بعينيه جعلت جيمي يتوخى حذره.
قال جيمي: «لقد رحل بضعة أيام وكلفني بتولي أعماله.»
فاحتج الصغير قائلا: «مهلا! لكننا لا نعرفك.»
فقال جيمي: «لكن ها أنا ذا.»
Halaman tidak diketahui