ثم أطفأ جيمي الأنوار واستلقى على وسادته وقرر أن يخلد للنوم سريعا جدا. لكن جاءه صوت من قلب العتمة يخاطبه بلهجة الكشافة الصغير الدارجة قائلا: «ما الذي يعكر صفوك؟ هل كنت تريدها هي أن تموت؟ هل كنت تريدها أن تخوض الأهوال التي تواجه جسد أليس لويز الجميل؟»
تقلب جيمي ودفن وجهه في الوسادة وصاح: «يا إلهي، كلا! لم يخطر لي ذلك! لا أريد أن ينفطر قلبها! لا أريدها أن تموت! إنما أريد أن أعرف من هي، وأين هي، وأن تعتمد علي، ويصبح بإمكاني أن أساعدها، وأتحرر من وعدي لها بعدم البحث عنها. لا! لا! أريد لها الحياة؛ أريد لها السعادة!»
الفصل السابع عشر
الدخيلة
لو لم يكن الكشافة الصغير يضطلع بضعف نصيبه من المسئولية عن جيمي الطفل الجديد، لكان من المرجح جدا ألا يحدث لجيمي الكبير قط ما حدث له خلال هذه المدة، وهو الذي لم يبتعد كثيرا هو نفسه عن كونه طفلا في الظروف الحالية. بداية، لم يستطع جيمي بعد أن يوطن نفسه على واقع امتلاكه فدانا من أرض كاليفورنيا، ومنزلا أنيق الأثاث باستثناء حجرة واحدة. لم يستطع أن يستوعب أنه أصبح يمتلك كما كبيرا من الزهور، وبستانا من أشجار الفاكهة، وحديقة خضراوات، وصفا طويلا من قفائر النحل الذي ينتج أشهى عسل؛ إذ جمعت نسبة كبيرة جدا منه في حديقة النحل الزرقاء الرقيقة والحدائق المجاورة، لم يستطع بعد استيعاب أن أبهى بيت صغير شاهده في حياته ونصف منحل سييرا مادري أصبحا ملكا له. لم يستطع أن يحمل نفسه على الشعور بأنه من العدل أو الصحيح أن تصبح تلك الأشياء من نصيبه.
كان لا يزال ينظر إلى أملاكه وهو في حالة من الذهول. لكن صحيح أنه مثل أمام قاضي الوصايا، وأوفى بمتطلبات القانون. وانتقلت الأملاك إليه هو وجين ميريديث وفقا لمقتضيات القانون. وسحبت الأموال من البنك وسددت ضريبة المواريث كما أمر سيد النحل. ورغم ذلك فما زال جيمي لا يشعر أنه يمتلك بالفعل الفدان الذي في حوزته. كان لديه شعور أنه لو مكث هناك مدة طويلة، لنقل عشر سنوات مثلا، ودرس النحل وعمل بإخلاص، ولو اتخذ من سيد النحل موقع الابن طوال تلك المدة، ثم توفي سيد النحل وترك له أملاكه؛ لأنه يعرفه معرفة جيدة ويشعر بأنه يستطيع الاعتماد عليه، كانت تلك ستصبح لجيمي صفقة مناسبة ومنطقية. وهو لم يدرك أن أي شخص يلقاه ويتمتع بنظرة ثاقبة تمكنه من الحكم على طبيعة البشر، كان من نظرة واحدة لجيمي من رأسه لأخمص قدميه، سيقول حتما رأيه فيه بالدقة نفسها التي كان سيصفه بها بعد عشر سنوات من معرفته به.
فقد كان جيمي من نوعية الرجال التي تثق فيها النساء والأطفال والرجال الآخرون من دون طرح أي أسئلة. كان جيمي من نوعية الرجال الذين قد ينسون أكبر المشاكل التي تكدر صفوهم لربط ساق مكسورة لكلب، أو لتضميد جرح طفل. وإن مأزقه الحالي دليل على ما قد يفعله من أجل رجل آخر، دليل ساطع على ما قد يفعله من أجل امرأة. لم يكن من طبعه قط أن ينشغل بنفسه جديا إلى أن مزق جرح الشظية صدره، فاضطر إلى الانشغال به طوال عامين. في ظل نظام المستشفيات والعلاج الطبي ظل يواجه مدة طويلة جدا فكرة أن نهايته لم تكن بعيدة حتى إنها صارت هاجسا. لكن شيئا فشيئا أتت الحديقة سحرها حتى صار جيمي رجلا من جديد، رجل يهتم لأمر الكشافة الصغير، ومارجريت كاميرون، والفتاة التي جازفت بحياتها وفقدتها، وتركت له بموتها إرثا ثانيا، إرثا كان لدى جيمي استعداد أكبر لقبوله من الأول.
كان جيمي في غياب مارجريت كاميرون ينظف المنزل. فقد عودته أمه المدبرة على أن يكون مساعدا لها في طفولته. فكان يعرف كيف يكنس ويزيل الغبار، وكيف يرتب الأثاث، وكيف يحافظ على نظافة المنزل. وبينما كان يعمل المكنسة في رواق المدخل توقفت سيارة أجرة أمام الباب. خرجت منها شابة شديدة الأناقة وتحققت من رقم المنزل. تفحصت المكان بعينين مستحسنتين وابتسامة ثقة على شفتيها أثارت الذعر في قلب جيمي. لم يكن قد شعر بأنه استحق الأملاك، ولم يكن يشعر بأن له أدنى حق فيها، لكنه كان على يقين تام من أن الله يعلم كم أحبها، وكم رغب فيها، وحين تفحصت هذه السيدة الشابة الجذابة المكان بابتسامة ثقة، ثقة بالغة حتى تكاد تجافي التربية الحميدة، وتساءلت: «هل أنا مخطئة في الظن بأن هذا هو مقر إقامة السيد مايكل ورذينجتون؟» هز جيمي رأسه نافيا.
فقالت السيدة الشابة بنبرة ثقة: «أعتقد أنني أستطيع تمييز منزل أبي عن أي منزل آخر في هذا الشارع. فإنه يبدو مثله تماما.»
كان جيمي يعتقد أنه متأهب لهذا الموقف بالذات، لكنه أدرك حين حدث أنه لم يكن مستعدا بالمرة. فقد شعر كأن أحدا قد ضربه على رأسه بقطعة ضخمة من الخشب بالغ الصلابة. كان ما تبقى لديه من وعي كافيا فقط ليلاحظ شيئا هو أكثر تأدبا من أن يجازف بالتعبير عنه، فحدث نفسه به قائلا: «حسنا، ربما يبدو المنزل تماما مثل «أبيك»، لكن الحق أنك لست كذلك!» وزاد على ذلك قوله: «وطالما سمعت أن احتمال أن تبدو الفتيات مثل آبائهن احتمال قوي.»
Halaman tidak diketahui