Pengenalan kepada Kajian Balaghah Arab
مقدمة لدراسة بلاغة العرب
Genre-genre
أحمد ضيف
يناير سنة 1921
تمهيد1
دراسة الآداب العربية بالطرق المعروفة الآن لا تزال حديثة العهد، والأدب العربي على سعته وغنائه مشوش مختلط مرتبك، لا يزال باقيا على حالته الأولى من البساطة والسذاجة في التأليف والجمع، ولم تحرر بعد عقول أدبائنا من قيود الطرق القديمة والانتصار لها، ولا يزال يعد الخروج من القديم خروجا عليه، ولا نزال نعتقد أن القدماء وصلوا إلى أقصى ما يمكن أن يصل إليه العقل البشري من الذكاء والإتقان، وغير ذلك من ضروب الرضا والارتياح.
ومدرس الأدب يلزمه أن يطلع على أكثر ما كتب في اللغة ليقف على روحها ومؤلفيها، وليعرف الكتاب والشعراء والفلاسفة والمشرعين وغيرهم، ولا يكفي معرفة ذلك من بطون الكتب والفهارس والموسوعات؛ إذ لا بد من قراءة الكتب نفسها والحكم عليها بناء على معرفة الشخص نفسه. وكل حكم مبني على التقليد أو النقل لا قيمة له، ولا يفيد الأدب شيئا، ولا يصح الاعتماد عليه، فلا يصح أن نأخذ بالتسليم بقول من قال: إن النابغة الذبياني أشعر الشعراء؛ لأنه قال: فإنك كالليل الذي هو مدركي ... إلخ، بدون بحث في ذلك، ولا أن المهلهل أول من طول القصائد؛ لأن صاحب الأغاني أو غيره قال ذلك، بدون أن نبحث في صحة هذا الزعم، ولا أن نصدق قول من قال: إن لغة العرب أحسن اللغات، بدون أن نعرف شيئا من اللغات الأجنبية ونوازن بينها وبين اللغة العربية.
وإننا لنسيء إلى اللغة العربية وإلى الأدب العربي وإلى الأمة العربية أكثر من أن نحسن إليها بمثل هذه الأقوال، التي لا يمكن أن يعتمد عليها إنسان مفكر، كما أنها لا تحرك العقول ولا تحملها على البحث. والعقل إن لم يكن طلعة محبا للبحث لا ينتج ولا يدرك حقائق الأشياء. وما يدعوه العلماء الآن حرية الفكر ليس إلا نوعا من البحث المبني على التعقل والاستنتاج، وهو سر تقدم العلوم والفنون في المدنية الحاضرة؛ فلا بد لآدابنا من هذه الحرية المبنية على المعلومات الصحيحة والاستنتاج الصحيح.
والأفكار عندنا مقيدة محصورة محدودة: مقيدة بالعادات، محصورة في دائرة ضيقة من المعلومات، محدودة بشيء أشبه بالعقيدة في صحة ما نحن عليه من العلم والأخلاق. والخروج من العادات عسير، وترك الإعجاب بالنفس شديد على النفس، مهما صحت عزيمة محب الجديد وقويت براهين الداعي. وبلدنا من أشد ما يكون تمسكا بعاداته وطرقه في الفهم والإدراك. ولكنا في إبان نهضة تبشرنا بحسن المستقبل وإقبال شبابنا على العلم وتعلمه، وقبول الجديد يبعث فينا أملا كبيرا في نجاح هذه الحركة المباركة.
العالم متحرك، والعلم والأدب نتيجة هذا التحرك، فهي متحركة معه ومتغيرة بتغيره؛ فلا بد أن نسير في هذه الحركة، وأن ننتقل معها، وأن تتجدد معلوماتنا بتجددها؛ نريد بذلك أن نكون من أنصار الجديد، ونريد بالجديد الحركة التي أحدثتها الأفكار والقرائح منذ وقوف حركة العلم والأدب عند المسلمين إلى اليوم؛ أي نريد أن تأخذ عقولنا ومعارفنا صبغة جديدة غير الصبغة الموجودة في كتبنا وفي معلوماتنا؛ لأن العلم يتغير كلما كثر فيه البحث حتى لقد تنقلب العقيدة في العلم إلى ضدها؛ إذ إن القواعد العلمية مبنية على الحكم على الظواهر الطبعية، وقد يخطئ الإنسان في إدراك هذه الظواهر أو يدركها إدراكا ناقصا، وقد يفهم المجرب من التجربة غير نتائجها حتى في العلوم الرياضية والطبعية؛ لأن جزءا كبيرا من حكم الإنسان على الأشياء سببه العواطف والإحساسات الشخصية، التي تختلف عند كل إنسان باختلاف مزاجه، وكما يكون للإنسان مزاج خاص يقوده ويتحكم فيه يكون أيضا للزمن مزاج خاص يسود فيه ويقود الرأي العام.
يظهر أثر ذلك في المذاهب السائدة والأفكار العامة، ثم يتغير بمرور الزمن وكثرة البحث، والأفكار سائرة على مثال المد والجزر: تتقدم وتتأخر، ثم تتأخر وتتقدم؛ لأن الحركة في كل شيء دليل الحياة، فلا بد من سير الفكر إذ الفكر الواقف مائت؛ لذلك نرغب من متأدبينا وعلمائنا أن يعيرونا شيئا من التسامح، وأن يغضوا الطرف عما عساه أن يكون غير جار على طرقهم في الفهم والإدراك، أو مخالفا لحكمهم على الأشياء، وأن يعتقدوا أننا نفعل واجبا علينا لبلادنا ولغتنا وأمتنا، وأنه يجب أن نضحي بكل شيء في سبيل هذا الواجب، ونحن نعتقد من جهة أخرى أنهم مخلصون في تمسكهم بتربيتهم العقلية؛ لأن شكر الجميل يقضي عليهم بالانتصار إلى معلوماتهم التي بها رقوا وعليها شبوا. ولكنا لا نعذرهم ولا يعذرهم إنسان إذا حكموا علينا بدون أن يتدبروا أقوالنا، ومن غير أن يدرسوا ما نقول دراسة خالية من الميول والأهواء؛ فكلنا يقصد إلى إصلاح لغته التي لا يمكن أن ترقى معلوماتنا بدونها.
اللغة العربية لغتنا لأنها لغة الكتابة والتأليف؛ ولأنها تستوعب لغة التفاهم بيننا. والآداب العربية آدابنا من حيث إنها أصل معلوماتنا، ومنبع معارفنا ومواهبنا العقلية، بل هي كل ما نعرفه من الحركة الفكرية التي أحدثها الإنسان وأنتجتها العقول والقرائح. ولكنا نريد أن تكون لنا آداب مصرية تمثل حالتنا الاجتماعية وحركاتنا الفكرية والعصر الذي نعيش فيه؛ تمثل الزارع في حقله، والتاجر في حانوته، والأمير في قصره، والعالم بين تلاميذه وكتبه، والشيخ في أهله، والعابد في مسجده وصومعته، والشاب في مجونه وغرامه. أي نريد أن تكون لنا شخصية في آدابنا، ولا نريد بذلك أن نهجر اللغة العربية وآدابها؛ لأننا إن فعلنا ذلك أصبحنا بلا لغة وبلا أدب؛ إذ لا يمكن أن نصل إلى ذلك بدون أن نرجع إلى اللغة العربية وآدابها، بحيث تكون قاموسا لنا ونموذجا لبلاغتنا، وإماما نهتدي به في الصناعة الأدبية؛ وعلى الجملة تكون آدابنا عربية مصبوغة بصبغة مصرية، من هذه الوجهة يجب أن نتعصب للغة العربية وآدابها، كما يتعصب الأوروبيون الآن للغة اللاتينية واليونانية؛ لأنها أصل معارفهم ومستودع سر مدنيتهم. ولا ينكر إنسان علينا ذلك لأن إنسانا لا يمكنه إنكار أثر المدنية العربية في العالم الإسلامي. ونعود فنقول: إن كل ما نرجوه هو أن تكون لنا آداب مصرية عربية: مصرية في موضوعاتها ومعلوماتها، عربية في لغتها وبلاغتها وأساليبها.
Halaman tidak diketahui