هذا آخر ما ترجمه من هذا الفصل، وهو كما ترى وعظ بحكمة، وإيقاظ برأفة، وتعليم بنصيحة، وإرشاد ببيان. لو روى هذا الحسن البصري ومنصور بن عمار وضرباؤهما ما زادا على ذلك، وقد اتفقت آراء الأوائل كلها على إصلاح السيرة، وتصحيح الاعتقاد، والسعي فيما أثمر وأجدى، والإعراض عن كل ما شغل البال وأثار الشهوة، لتبلغ النفس غايتها وتسعد في عاقبتها، ولا يكون لها عكس في هذا العالم، ولا تردد على ما قد خوف من ذلك كثير منهم، والسلام.
المقابسة الثامنة والثلاثون
في معنى قولهم العقل يحرم كذا ونطق بكذا
قلت لأبي علي هذا ما معنى قول القائل: العقل يحرم كيت وكيت، العقل نطق بكيت وكيت؟ فقال: معنى ذلك استحسانه الحسن واستقباحه القبيح، والاستحسان تحسين لك، والاستقباح تقبيح عليك، والتحسين إطلاق، والتقبيح حظر، وإنما كان هذا من العقل هداية لذي الطبيعة، لأنه يمر مع الأول، والطبيعة هي معنا من لدن خلقنا، فإذا استحكم سوء أدب ذي الطبيعة وطال انفسد حتى يصير كأنه بعض هذه البهائم في الجهل، أو بعض هذه السباع في التنزي والوثوب، وكان في الأصل محدودًا بالنطق، ويسر أمره، وأظهر مكنونه، وذلك كله تنبيه العقل وتحريكه، وتحسينه وتقبيحه، فمن
1 / 198