ثم قال: ما زاد أيضًا مثاله، هذا حكمه، كقولك: تدحرج، واحر نجم: والإنسان له في كل شيء من هذه الأشياء شكل يباين شكله الآخر ضربًا منه المباينة، يشعر به مرة ويسهى عنه أخرى، ومجموع الأفعال فعل يحدث بك من غيرك، مثل ما يحدث لغيرك منه، مثاله: ضرب، وضرب يحدث بك منك، مثاله: حسن وسمع، وضرب يحدث فيك، مثاله: خجل ووجل، ونسي، وفي نوع ما يحدث بك ما يجوز أن يؤمر به وأن ينهى عنه، مثاله: إشجع ولا تحببن، وأعلم لا تجهل، وها هنا ضرب تحدث أنت فيه أو تحدث به، مثاله: كن وجد واعدم، وإذا حققت النظر كنت للمطاوعة أغلب على جميع هذه الضروب إلا ما تميز عنها، ولم يلتبس بها.
إلى ها هنا حصل ما اتصل بما كنا فيه، وكرهت اختزاله عنه، وأعود فأتمم صدرًا بدات به في هذه المقابسة بعجزه، نعم فبادرت بالجواب إلى أبي سليمان وقصصته قراءة عليه.
فقال: هذا حسن مقبول، ويدل على أن ما سمعته من هذا الشيخ، غيض من فيض، وشرارة من حريق.
ثم قال: وإنما يصح قوله هذا إذا لخص المعنى الذي خصت الطبيعة به من قبولها من النفس، وانقيادها لتصريفها وانفعالها بتفعيلها، فإن الطبيعة كالهدف لما عنى النفس، وكالشيء الشاحي فاه المنتظر لما يلقى إليه ويرسم له، لا يتعدى حكمه، ولا يعصي أمره، ولا يخالف نهجه، وهذا شأن النفس مع العقل، ولكن أعلى من هذا، لأن الفيض الأول والجود الأول لا واسطة له ولا شوب ولا عارض عليه، ولا كره فيه ولا اختلاف، ولا تزاحم ولا اختلاط، ولا تدافع ولا اعتراض، بل على نوع الخلوص وما يزيد على ما يقع في النفوس، ثم التنزيل والتدريج والتوشيح يفيض ذلك كله في الطبيعة بصباباتها وسفافاتها، وبقوافيها ومعاينها وتظهر عند
1 / 176