بحليته. وكذلك خبر الله نقصهم في علمهم بفوائد نالوها، ومنافع حازوها، وأوطار قضوها بسببها، فأما من أراد معرفة هذه الخفايا والأسرار، في هذه الأجرام والأنوار، على ما هيئت له، وعبئت عليه، ونظمت به، ورتبت فيه، وزينت بمحاسنه، فهو حرى جدير أن يعرى من جميع ما وجده صاحب كل علم من المرافق والمنافع على ما اتسع القول به في فاتحة هذه المقابسة وينفرد بحكم من رتبها على ما هي عليه، غير مستفيد بذلك فائدة ولا جدوى. وهذه لطيفة متى وقف عليها حق الوقوف، وتقبلت حق التقبل، كان المدرك لها أجل من كل طلب وإن عز، لأنها بشرية صارت آلهية، وجسمية استحالت روحانية، وطينية إنقلبت نورية ومركب عاد بسيطًا، وجزء حال كلًا. وهذا فن قلما يهتدى إليه، ويتنبه عليه. ثم إني بعد هذا كله قلت لأبي سليمان في خلوة أيها الشيخ، تكررت في هذه المسألة كلمات جافية بشعة ماينة مكروهة، لا أراها تسلم أو تسلم؟ قال: ما هي؟ قلت: مثل قول القائل: مشاكها لربه، ومناسبًا لباريه؛ ومثل قوله: نعته لصق به، وحكمه لزمه، وحيلته بدت منه، وصفته عادت عليه! فقال: لعمري إن تقديس الباري يمحق هذا كله ويذهب به، ويطرحه وينفيه، ولكن إذا عرفه وأشار إليه وكنى عن ربوبته، وأفصح عن آلهيته، لم يجد بدًا من هذه الكلمات التي هي ألطف ما في ملكه، وأشرف ما في قوته والمراقى التي هي فوق المرام التي تتراسل بين الخلق في عباراتهم وإشاراتهم لكنها مستعارة في حمى التوحيد وحرم المعرفة، مرفوعة المقادير عما يدنسها ويذيلها، ويفسدها ويحيلها، على عادة أهل اللسان في الأسماء والصفات والحروف والأحداث، وإنما يوحى إلى هذه الغايات بهذه العبارات إيحاء، لأنها تفوت ذرع القول كما تفوت ذرع العقل، وتسبق ظن المقدر كما تسبق وهو المستشعر. وهذا اضطرار اشترك جميع أهل اللغات فيه عند إخبارهم عن
1 / 137