ولو شئت لرويت من ذلك صدرًا، وهو مبثوث في الكتب، ومنشور في المجالس، ومتداول بين الناس؛ بذلك وأشباهه حط رتبته، ورده على عقبيه، ليعلم أنه لا يعلم إلا ما علم، وأنه ليس له أن يتمطى بما علم على ما جهل، فإن الله لا شريك له في غيبه، ولا وزير له في ربوبيته، وأنه يؤنس بالعلم ليطاع ويعبد، ويوحش بالجهل ليفزع إليه ويقصدن عز ربًا، وجل إلاهًا، وتقدس مشارًا إليه، وتعالى معتمدًا عليه. وهذا كما ترى.
قال العروضي: قد يقوى هذا العلم في بعض الدهر، حتى يشغف به ويدان بتعلمه، بقوة سماوية وشكل فلكي، فيكثر الاستنباط والبحث، وتستبد العناية والفكر، فتغلب الإصابة حتى يزول الخطأ؛ وقد يضعف هذا العلم في بعض الدهر، فيكثر الخطأ فيه لشكل آخر يقتضي ذلك، وحتى يسقط النظر فيه، ويحرم البحث عنه، ويكون الدين حاظرًا لطلبه والحكم به؛ وقد يعتدل الأمر في دهر آخر، حتى يكون الخطأ في وزن الصواب، والصواب في قدر الخطأ، وتكون الدواعي والصوارف متكافئة، ويكون الدين لا يحث على طالبه كل الحظر.
قال: وهذا إذا صح تعلق الأمر كله بما يتصل بهذا العلم السفلي من ذلك العالم العلوي، فإذًا الصواب والخطأ محمولان على القوى المنبثة، والأنوار الشائعة، والآثار الرائعة، والعلل الموجبة، والأسباب الموافقة.
ورأيت أبا سليمان يرتضى بهذا القول، ويقوي هذا الرأي قال النوشجاني: إنما القوم اختصروا الكلام، وقربوا البغية، فإن الإطالة مصدة عن الفائدة، ومضلة الفطن والفهم.
قيل هل تصح الأحكام؟ فقال غلام زحل: ليس عن جواب يتسبب على كل وجه؟ فقيل: ولم بين؟ قال: لأن صحتها وبطلانها متعلقان بآثار الفلك، وقد يقتضي شكل
1 / 134