إِن هدى الله للْمُؤْمِنين وَالْكفَّار سَوَاء لَيْسَ على الْمُؤمنِينَ نعْمَة فِي الدّين أعظم من نعْمَته على الْكَافرين بل قد هدي عليا بِمَا هدي أَبَا جهل بِمَنْزِلَة الْأَب الَّذِي يُعْطي أحد إبنيه دَرَاهِم وَيُعْطِي الآخر مثلهَا فأنفقها هَذَا فِي الطَّاعَة وَهَذَا فِي الْمعْصِيَة
وَمن أَقْوَالهم إِنَّه يَشَاء مَا لَا يكون وَيكون مَا لَا يَشَاء فَلَا يثبتون لله مَشِيئَة عَامَّة وَلَا قدرَة تَامَّة وَلَا خلقا متناولا لكل حَادث
وَهَذَا نَص قَول الْمُعْتَزلَة
وَلِهَذَا كَانَت الشِّيعَة فِي هَذَا على قَوْلَيْنِ
وَقَوله انه نصب أَوْلِيَاء معصومين لِئَلَّا يخلي الله الْعَالم من لطفه فهم يَقُولُونَ إِن الْأَئِمَّة المعصومين مقهورون مظلومون عاجزون لَيْسَ لَهُم سُلْطَان وَلَا قدرَة حَتَّى أَنهم يَقُولُونَ ذَلِك فِي عَليّ ﵁ مُنْذُ مَاتَ النَّبِي ﷺ إِلَى أَن اسْتخْلف وَفِي الإثني عشر ويقرون أَن الله مَا مكنهم وَلَا ملكهم وَقد قَالَ تَعَالَى ﴿فقد آتَيْنَا آل إِبْرَاهِيم الْكتاب وَالْحكمَة وآتيناهم ملكا عَظِيما﴾
فَإِن قيل المُرَاد بنصبهم أَنه أوجب عَلَيْهِم طاعتهم فَإِذا أطاعوهم هدوهم وَلَكِن الْخلق عصوهم
فَيُقَال لم يحصل بِمُجَرَّد ذَلِك فِي الْعَالم لَا لطف وَلَا رَحْمَة بل إِنَّمَا حصل تَكْذِيب النَّاس لَهُم ومعصيتهم إيَّاهُم
والمنتظر مَا انْتفع بِهِ من أقرّ بِهِ وَلَا من جَحده
وَأما سَائِر الإثني عشر سوى عَليّ ﵁ فَكَانَت الْمَنْفَعَة بأحدهم كالمنفع بأمثاله من أَئِمَّة الدّين وَالْعلم
وَأما الْمَنْفَعَة الْمَطْلُوبَة من أولى الْأَمر فَلم تحصل بهم
فَتبين أَن مَا ذكره من اللطف تلبيس وَكذب
وَقَوله إِن أهل السّنة لم يثبتوا الْعدْل وَالْحكمَة إِلَخ نقل بَاطِل عَنْهُم من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن كثيرا من أهل النّظر الَّذين يُنكرُونَ النَّص يثبتون الْعدْل وَالْحكمَة كالمعتزلة وَمن وافقهم
ثمَّ سَائِر أهل السّنة مَا فيهم من يَقُول إِنَّه تَعَالَى لَيْسَ بِحَكِيم وَلَا إِنَّه يفعل قبيحا فَلَيْسَ فِي الْمُسلمين من يتَكَلَّم بِإِطْلَاق هَذَا إِلَّا حل دَمه
وَلَكِن مَسْأَلَة الْقدر فِيهَا نزاع فِي الْجُمْلَة فَقَوْل الْمُعْتَزلَة ذهب إِلَيْهِ متأخرو الإمامية وَجُمْهُور الْمُسلمين من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَأهل الْبَيْت فتنازعوا فِي تَفْسِير عدل الله وحكمته وَالظُّلم الَّذِي يجب تنزيهه عَنهُ وَفِي تَعْلِيل أَفعاله وَأَحْكَامه فَقَالَت طَائِفَة إِن الظُّلم مُمْتَنع
1 / 34