وكان غالبيّة سكانها انذاك منتمين إلى المذهب الشافعي وإلى جنبها أقليّة حنفيّة وشيعيّة، كما لعبت الصوفيّة دورا بارزا فى المجال الاجتماعي والثقافي.
وهذه الفترة تعتبر من أزهى عصور الحركة الفكرية بنيسابور وأكثرها ازدهارا بالعلم والعلماء ممّا دفع الكثير من سائر البلاد الاسلاميّة للانتهال من منا هلها الرويّة العذبة والدراسة فيها.
وأمّا اندفاع أهلها إلى المراكز العلميّة فكانت منقطعة النظير درجة أن الآباء حرصا منهم على الاحتفاظ بالرسالة الاسلامية والسنة النبوية ونشرها، كانوا يبكرون بأطفالهم ويحملونهم على أكتافهم إلى مراكز التعليم والتربية والحديث وهم صغار لم يبلغوا السادسة من أعمارهم، وكانوا يطعموهم الحلوى أثناء الدرس كي لا يغلب عليهم الضجر والسأم، وكثيرا ما يتحسر المؤلّف ويعتذر قائلا: فاتني سماع الحديث من هذه الشخصية أو تلك لغيبة الوالد عنّي. وذلك أن أباه- شأنه شأن الكثير من الآباء انذاك- كان يحمله على كتفه وهو صغير لاستماع الحديث من المشايخ والعلماء كي ينقل فيما بعد هذه الأحاديث بوسائط أقل إلى الاجيال الآتية.
تاريخ الحاكم:
وحفظا لهذا التيار العظيم من الضياع بادر الكثير إلى تدوينها فكان من أهم هذه المحاولات وأكثرها نجاحا وشمولا ما حقّقه الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله البيّع النيسابوري المتوفّى سنة ٤٠٥ باسم تاريخ نيسابور فى عدّة مجلّدات ضخمة استعرض فيها تاريخ المنطقة من بداية العهدالاسلامي إلى عصره واستوعب بالذكر كافّة العلماء والشخصيات البارزة التي نشأت بها أو درست فيها ولو لفترة قصيرة من الزمن.
وهذا الكتاب القيّم كالكثير من كتبنا التراثيّة القيّمة لم يبق منه إلا فقرات يسيرة ومتناثرة فى ثنايا الكتب الأخرى والمؤلّفة من بعد الحاكم أمثال تاريخ بغداد والأنساب والوفيات وغيرها من الكتب. نعم بقي اليسير من ترجمته
المقدمة / 10