الباب الأول في
الخط والكتابة والبلاغة نظمًا
البحتري:
في نظامٍ من البلاغة م ... اشكَّ امرؤٌ أنه نظام فريدِ
ومعانٍ لو فصلتها القوافي ... هجَّنت شعر جروَلٍ ولبيدِ
حزن مستعمل الكلام اختيارًا ... وتجنبنَ ظلمة التعقيدِ
وركبنَ اللفظ القريب فأدرك ... نَ به غاية المراد البعيدِ
وله أيضًا:
من كلّ معنًى يكادُ الميتُ يفهمه ... حسنًا ويعبده القرطاسُ والقلمُ
وله أيضًا:
وإذا دجت أقلامه ثم انتحتْ ... برقتْ مصابيح الدُّجى في كتبهِ
فاللفظ يقرب فهمه في بعده ... منا ويبعدُ نيله في قربهِ
فكأنها والسّمع معقودٌ بها ... شخص الحبيب بدا لعين محبّهِ
1 / 8
وله أيضًا:
قال فيه البليغ ما قال ذو الع ... يِّ وكل بوصفه منطيقُ
وكذاك العدوّ لم يعدُ أن قا ... ل جميلًا كما يقول الصَّديقُ
كشاجم:
وإذا نمنمت بنانك خطًا ... معربًا عن بلاغةٍ وسدادِ
عجب النَّاس من بياض معانٍ ... يجتني من سواد ذاك المدادِ
ابن أبي البغل:
مدادٌ مثل خافقة الغرابِ
وخطّ مثل موشيِّ الثيابِ
وألفاظٌ كأيَّام الشَّبابِ
أبو الفتح البستي:
خطّه روضةٌ وألفاظه الأز ... هار يضحكنَ والمعاني الثّمارُ
غيره:
كلامٌ بل مدادٌ بل نظامٌ ... من المرجانِ بل حبُّ الغمامِ
ابن الرومي:
يرشف القلب ماءه حين يملي ... قبل رشف الهواءِ ماءَ مداده
أبو الطيب المتنبي:
1 / 9
في خطِّه من كل قلب شهوةٌ ... حتَّى كأنَّ مدادَه الأهواءُ
ولقبرهِ في كلّ عين قرةٌ ... حتَّى كأنَّ مغيبه الأقذاءُ
المريمي:
نكرّر طورًا من قراءة فصله ... فإن نحن أتممنا قراءته عدنا
إذا ما نشرناهُ فكالمسك نشرهُ ... ونطويه لا طيَّ السآمة بل ضنَّا
ابن مندويه:
يُطوى وليس بمطويٍّ محاسنه ... فالحسن ينشرهُ والكفُّ تطويهِ
علي بن الجهم:
حروفٌ إذا لاءمت بالعين بينها ... حكت صنعة الواشي المسدّي المسهم
وله أيضًا:
1 / 10
يا رقعةً جاءَتكَ مثنيَّةً ... كأنَّها خالٌ على خدِّ
ذرُّ سوادٍ في بياض كما ... ذُرَّ فتيتُ المسكِ في الوردِ
آخر:
أضحكت قرطاسك عن جنَّة ... أشجارها من حكمٍ مثمرهْ
مسودَّة سطحًا ومبيضَّة ... أرضًا كمثل اللَّيلة المقمرهْ
الوزير المهلبي:
وردَ الكتابُ مبشّرًا ... نفسي بأنواعِ السّرورِ
وفضضتهُ فوجدتُه ... ليلًا على صفحاتِ نورِ
مثل السَّوالف والخدو ... د البيض زينت بالشّعورِ
أنزلتهُ منِّي بمن ... زلة القلوب منَ الصّدورِ
وله أيضًا:
وردَ الكتاب فديتهُ منْ واردٍ ... فيهِ لقلبي من حياتي موردُ
فرأيت درًّا عقدهُ مُتنظم ... في كلّ فصل منه فصلٌ مفردُ
وله أيضًا:
وصل الكتاب طليعة الوصلِ ... بغرائب الأفضال والفضلِ
فشكرتهُ شكر الفقير إذا ... أغناه ربّ الجود بالبذلِ
وحفظته حفظ الأسير وقد ... وردَ الأمان له منَ القتلِ
1 / 11
أبو إسحاق الصابئ:
وكمْ من يدٍ بيضاءَ حازتْ جمالها ... يدٌ لك لا تسودُّ من النِقسِ
إذا رقشتْ بيض الصَّحائف خلتها ... تطرز بالظَّلماء أردية الشَّمسِ
وله أيضًا:
فقرٌ لم يزلْ فقيرًا إليها ... كلُّ مبدِي بلاغةٍ ومعيدِ
يغتدي البارع المفيد لديها ... لاحقًا بالمقصِّر المستفيدِ
ببيانٍ شافٍ ولفظٍ مصيبٍ ... واختصارٍ كافٍ ومعنًى سديدِ
وله أيضًا:
قلْ للوزير أبي محمَّدٍ الذي ... قد أعجزت كلَّ الورى أوصافهُ
لكَ في المحافلِ منطقٌ يشفي الجوى ... ويسوغ في أُذن الأديب سلافهُ
فكأنَّ لفظك لؤلؤٌ متنخلٌ ... وكأنَّما آذاننا أصدافهُ
أبو فراس:
وروضةٍ منْ رياضِ الفكرِ دبَّجها ... صوبُ القرائح لا صوبٌ منَ المطرِ
كأنَّما نشرتْ أيدي الرَّبيع بها ... بُردًا منَ الوشي أو ثوبًا من الحِبرِ
الصابئ:
لهُ يدٌ غمرتْ جودًا بنائلها ... ومنطقٌ درُّهُ في الطرسِ ينتثرُ
فحاتم كامنٌ في بطنِ راحتِها ... وفي أناملها سحبانُ مستترُ
وله أيضًا:
1 / 12
ولقد جلَّ ألفاظك الغ ... رِّ ولكنَّها دِقاقُ المعاني
تتغذَّى بها المسامعُ منَّا ... فهي نعم الغذاء للأبدانِ
وكلام كأنَّما فتقُ المس ... كِ به أو تنفسُ الرّيحانِ
ابن طاهر:
فهو كالخمرِ رقَّةً وصفاءً ... وكما التذَّ عيشه النشوانُ
ابن نباتة السعدي:
قولٌ هو الماءُ لذَّ مطعمهُ ... وكلُّ قولٍ سواه كالزَّبدِ
وله أيضًا:
طلعت في القلوبِ ألفاظكَ الغ ... رُّ طلوعَ النجومِ في الآفاقِ
بشَّار:
وكلام كأنَّه قطعُ الرَّو ... ضِ وفيهِ الصفراءُ والحمراءُ
ابن الرومي:
أخو قلمٍ صروفُ الدَّهر فيه ... ففيه العيشُ والموتُ الزُّؤامُ
إذا سكناتُ صاحبه أملَّت ... على حركاته سكنَ الأنامُ
وله أيضًا:
نطقتَ بحكمةٍ جلَّى سناها ... عن المعنى اللَّطيفِ دجى الظَّلامِ
1 / 13
تلذُّ كأنَّها رَوْحٌ وراحٌ ... تمشَّى في العروقِ وفي العظامِ
ولو أنَّ الكلام غدا جزورًا ... إذًا لذهبت منهُ بالسَّنامُ
يقولُ أميرنا إذ ذاقَ منهُ ... كريق النَّحل أوْ دمع الغمامِ
أهِزَّة منطق كالسّحر لفظًا ... عرتني أم سُقيت منَ المدامِ
القاضي الجرجاني:
ولا ذنب للأفكارِ أنت تركتها ... إذا احتشدتْ لم تنتفع باحتشادها
سبقتَ بأفراد المعاني وألَّفتْ ... خواطرك الألفاظ بعد شِرادها
فإن نحنُ حاولنا اختراعَ بديعةٍ ... حصلنا على مسروقها ومُعادها
وله أيضًا:
وكنت متى أشحذْ بذكرك خاطري ... يقمْ لي على ما في النّفوسِ دليلُ
وكنتُ متى أقرأ كتابك أعترفْ ... بأنَّ الحروفَ الماثلاتِ عقولُ
الصاحب بن عباد:
بالله قلْ لي أقرطاسٌ تخطُّ بهِ ... من حلةٍ هو أم ألبستهُ حللا
بالله لفظك هذا سال من عسلٍ ... أم قدْ صببتَ على أفواهِنا عسلا
وله أيضًا:
أتتني بالأمسِ أبياتهُ ... تعلِّل رُوحي برَوح الجنانِ
كبُرْد الشَّبابِ وبَرد الشَّرابِ ... وظلّ الأمانِ ونيل الأماني
وعهد الصِّبا ونسيم الصَّبا ... وصفو الدّنان ورجع القيانِ
1 / 14
فلو أنَّ ألفاظها نظمتْ ... لكانتْ عقودَ نحورِ الغواني
عبد الصمد ابن بابك:
أزرتكَ يا ابن عبَّاد ثناءً ... كأنَّ نسيمهُ شرِقٌ براحِ
ولفظًا ناهبَ الحلي الغواني ... وأهدى السّحر للحدق الملاحِ
القاضي التنوخي الكبير:
خطٌّ وقرطاسٌ كأنَّ ... هما السّوالفُ والشّعورُ
وبدائعٌ تدعُ القلو ... بَ تكادُ من طربٍ تطيرُ
في كلِّ معنى كالغنى ... يحويهِ محتاجٌ فقيرُ
أوْ كالفكاكِ ينالهُ ... من بعد ما يأسٍ أسيرُ
وكأنَّها الإقبال جاء ... أوْ الشّفاء أو النّشورُ
وكأنَّها شرخُ الشَّبا ... بِ وعيشه الخضلُ النَّضيرُ
وله أيضًا:
وصحيفة ألفاظها ... في النّظم كالدّرِّ النثيرِ
جاءتْ إليَّ كأنَّها التَّ ... وفيقُ في كلِّ الأمورِ
بأرقَّ من شكوى وأحس ... نَ من حياةٍ في سرورِ
لو قابلت أعمى لأص ... بحَ وهو ذو طرفٍ بصيرِ
1 / 15
وكأنَّها أملٌ تحقَّ ... ق بعد يأسٍ في الصّدورِ
أوْ كالفقيدِ إذا أتتْ ... بقدومه بشرى البشيرِ
أوْ كالمنامِ لشاهرٍ ... أو كالغنى عند الفقيرِ
أو كالشفاءِ لمدنفٍ ... أو كالأمان لمستجيرِ
وكأنَّما هي من وصا ... لٍ أوْ شبابٍ أوْ نشورِ
لفظٌ كاسر معاندٍ ... أوْ مثل إطلاق الأسيرِ
وكأنَّه إذ لاحَ من ... فوق المهارقِ والسّطورِ
وردُ الخدود إذا انتقل ... تَ بهِ على راحِ الثّغورِ
غررٌ غدت وكأنَّها ... من طلعةِ الظبيِ الغريرِ
من كلِّ معنى كالسَّلا ... مة أوْ كتيسير العسيرِ
كتبت بحبر كالنوى ... أوْ كفْر نعمى من كفورِ
في مثل أيَّام التَّوا ... صل أو كأعتاب الدّهورِ
أهديتها يا خير من ... يختارُ من كرمٍ وخيرِ
آخر:
أحاديث لو صيغت لألهت بحسنها ... عن الحليِ أو شمت لأغنت عن المسكِ
آخر:
وصحيفة تحكي الضم ... ير مليحة نغماتها
1 / 16
فضحكتُ حين رأيتها ... وبكيتُ حين قرأْتها
أبو الطيب المتنبي:
بكتب الإمام كتاب وردْ ... فَدت يدَ كاتبهِ كلُّ يدْ
يخبّر عن حاله عندنا ... ويذكر من شوقه ما نجدْ
وقال آخر:
لما وضعتُ يدي على عيني وقد رمدت ... منَ البكاءِ كتابًا منك أبراها
وكانت النَّفس قد ماتتْ بغُصتها ... فخطُّ كفّك بعد اللهِ أحياها
وقال آخر:
قد فهمتُ الكتاب منك فما زا ... ل نجيّي ومؤنسي وسميري
وتفاءلتُ في الظُّهور على الوا ... شي فصارتْ إجابتي في الظّهورِ
وتبركت باجتماع الكلامي ... ن رجاءَ اجتماعنا في سرورِ
محمد بن عبد الرحمن العطوي:
أحسنُ من غفلة الرَّقيبِ ... ولحظة الوعدِ منْ حبيبِ
والنَّقر والنغم من كعاب ... مصيبة العود والقضيبِ
ومن بنات الكروم راحتْ ... منْ راحتيْ شادنٍ ربيبِ
كتبُ أديب إلى أديب ... طالت به مدَّة المغيبِ
فنمّقتْ كتبُه سطورًا ... تنمّق الشَّوق في القلوبِ
أبو تمام الطائي:
1 / 17
يا عصمتي ومعوَّلي وثِمالي ... بل يا جنوبي غضةً وشمالي
بل لامَتِي أغشي بها حدَّ القنا ... بل كوكبي أسري به وهلالي
ثُكلت رجاءَ أخيك فرقتك التي ... قد أمسكت بمخنّق الآمالِ
فوجدتها في همَّتي ورأيتها ... في مطلبي وعرفتُها في مالِي
فاجلُ القذى عن مقلتي بأسطر ... يكشفن عن كربات بالٍ بالِي
سودٌ يبيّضن القلوب بمصطفى ... تلك النوادرِ منك والأمثالِ
واحثُثْ أناملك السَّوابق بينها ... حتَّى يجُلن هناك كلَّ مجالِ
ما زلن أظآر البلاغة كلّها ... وحواضن الإحسان والإجمالِ
في بطن قرطاس رخيص ضمنت ... أحشاؤُه غررَ الكلام الغالِي
إنِّي أعدُّك معقلًا ما مثله ... كهف ولا جبلٌ منَ الأجبالِ
وأرى كتابك بالسَّلامة مغنيًا ... عن كتبِ غيرك باللُّهى والمالِ
وله أيضًا:
لقد جلى كتابك كل بثٍّ ... جوٍ وأصاب شاكلة الرميِّ
1 / 18
فضضت ختامه فتبلجلتْ لي ... غرائبه عن الخبرِ الجليِّ
وكانَ أغضَّ في عيني وأندى ... على كبدي منَ الزَّهر الجنيِّ
وأحسن موقعًا عندي ومنِّي ... منَ البشرى أتتْ بعد النعيِّ
وضُمّن صدره ما لم تضمَّن ... صدورُ الغانيات من الحليِّ
فكائن فيه من معنى خطير ... وكائن فيه من لفظ بهيِّ
كتبت به بلا لفظ كريهٍ ... على أُذن ولا خطٍّ قميِّ
لإنْ غرَّبتها في الأرضِ بكرًا ... لقد زُفَّت على سمعٍ كفيِّ
فإن تكُ من هداياك الصفايا ... فرُبَّ هدية لك كالهديِّ
وله أيضًا:
خذها مثقّفة القوافي ربها ... لسوابغ النعماءِ غير كنودِ
كالدّرِّ والمرجان أُلِّف نظمه ... بالشذْر في عنقِ الفتاة الرودِ
كشُقيقة البرد المنمنم وشيها ... في أرض مَهرة أوْ بلاد تَزيدِ
1 / 19
يعطى بها البشرى الكريم ويحتبي ... بردائها في المحفلِ المشهودِ
بشرى الغنيِّ أبي البناتِ تتابعتْ ... بُشراؤُه بالفارسِ المولودِ
كرُقى الأساودِ والأراقم طالما ... نزعت حُمات سخائم وحقودِ
محمد السلامي:
ومضمومةٍ تحت حضن الدُّجى ... مقبَّلة بشفاه الأماني
تروق زُهيرًا أزاهيرها ... ويعشو إلى ضوئها الأعشيانِ
السري الرفَّاء:
جاءتك مثل بدائع الوشي الذي ... ما زال في صنعاءَ يتعب صانعا
أوْ كالرَّبيعِ يُريك أخضر ناضرًا ... ومورَّدًا شرقًا وأصفر فاقعا
وله أيضًا:
وما ضرَّ من ثناءٍ نظمته ... وفصلته أن لا يعيش له الأعشى
1 / 20
وله أيضًا:
وحلة من ثناي دبَّجها الفكر ... ففاقت بحسنها البِدعا
وقرَّب الحذق لفظها فغدا ... من قربه مُطعمًا وممتنعا
القاضي التنوخي:
وما الشّعر إلاَّ ما استفزَّ ممدحا ... وأطرب مشتاقًا وأرضى مُغاضبا
وله أيضًا:
تزفُّ إلى الأسماعِ كلّ خريدةٍ ... تكاد إذا ما أُنشدتْ تتبسَّمُ
أطافت بها الأسماعَ حتَّى تركنها ... يقال أأبيات تراها أم أنجمُ
الصابئ:
أُحبُّ الشّعر يُبتدع ابتداعًا ... وأكره منه مبتذلًا مشاعا
ولي رأيٌ غيور في المعاني ... فما آتي بها إلاَّ افتراعا
السري الرفَّاء:
لفظٌ يروح له الرّوح مطرَحًا ... إذا جعلناه ريحانًا على النجُبِ
عبد الله بن المعتز:
قلم ما أراه أم فلك يج ... ري بما شاء قاسمٌ ويسيرُ
1 / 21
راكعٌ ساجدٌ يقبِّل قرطا ... سًا كما قبَّل البساط شكورُ
ابن بابك:
سجعٌ كما سجع الحمام ومعرض ... خالٍ منَ التَّصريع والتَّرصيعِ
ابن الرومي:
في كفِّه قلمٌ ناهيك من قلمٍ ... يبكي وناهيك من كفٍّ بها اتَّشحا
يمحو ويُثبت أرزاق العباد به ... فما المقادير إلاَّ ما محا ووحَى
بشار ابن برد:
وشعر كنَوْر الرَّوض لاءمت بينه ... بقول إذا ما أحزن الشّعر أسهلا
وقال أبو تمام:
يودُّ ودادًا أن أعضاء جسمه ... إذا أُنشدتْ شوقًا إليها مسامعُ
وقال أبو الفتح البستي:
فيوجز لكنَّه لا يُخلُّ ... ويطنب لكنَّه لا يملُّ
وكيف يملّ وتوفيق من ... أفاد العقول عليهِ يملُّ
1 / 22
وله أيضًا:
لمَّا أتاني كتابٌ منك مبتسمٌ ... عن كلِّ برٍّ وفضل غير محدودِ
حكت معانيه في أثناءِ أسطره ... آثارك البض في أحواليَ السُّودِ
وله أيضًا:
إن سلَّ أقلامه يومًا ليُعملها ... أنساك كل كميٍّ هزَّ عاملهُ
وإن أمرَّ على رقٍّ أنامله ... أقرَّ بالرّقِّ كتاب الأنام لهُ
وله أيضًا:
بنفسي من أهدى إليَّ كتابه ... فأهدى لي الدُّنيا مع الدّين في دَرْجِ
كتابٌ معانيه خلالَ سطوره ... لآلئ في دُرج كواكب في برجِ
وقال أيضًا:
كتاب في سرائره سرورٌ ... مناجيه منَ الأحزانِ ناجِ
فكم معنًى بديع تحت لفظٍ ... هناكَ تزواجًا أيَّ ازدواجِ
كراح في زجاج بل كرُوحٍ ... سرتْ في جسمِ معتدل المزاجِ
وقال أيضًا:
ما إن سمعت بنوَّارٍ له ثمرٌ ... في الوقت يُمتِع سمع المرءِ والبصرا
حتَّى أتاني كتاب منك مبتسمٌ ... عن كلِّ معنى ولفظ يشبه الدُّررا
فكأنَّ لفظك في لألائه زهرًا ... وكأنَّ معناهُ في أثنائه ثمرا
1 / 23
تسابقا فأصابا القصد في طلقٍ ... لله من ثمر قد سابق الزّهرا
وقال أيضًا:
كحيَّة سوداء مجَّتْ على ... وجه الضُّحى ظلمة ليل بهيمْ
وله أيضًا:
بأبي كلامك إنَّه ال ... حرُّ النَّقيُّ منَ العيوبِ
يُجنيك من ثمر الكلا ... م ويجتني ثمر القلوبِ
وقال أيضًا:
بنفسي كلامك إنِّي نظر ... تُ منه إلى صورة الفاتنِ
كلامٌ تَهَشّ إليه النّفوس ... ويلقى القلوب بلا آذانِ
وقال أيضًا:
بدا بالمعاني وتهذيبها ... فأبرزها كالوجوهِ الحسانِ
وقدَّر ألفاظه بعد ذاك ... على ما اقتضتهُ قدود الغواني
وقال أيضًا:
قد أتى لفظك البديع الذي خرَّ ... تْ سجودًا لحسنه الألفاظُ
ومعانيك لهنَّ وفاء ... وسخاء ونجدةٌ وحفاظُ
وقال أيضًا:
إذا أحببت أن تحظى بسحر ... فلا تحظُر على لفظي وشعري
فأحسن من نظام الدّرّ نظمي ... وآنقُ من نثار الورد نثري
وقال أيضًا:
معانٍ كالعيونِ ملئنَ سحرًا ... وألفاظ مورَّدة الخدودِ
1 / 24
وقال علي بن الرومي:
بكلام لو أنَّ للدَّهر أُذنًا ... مال من حسنه إلى الإصغاء
وقال أبو تمام:
فكأنَّما هي في السّماع جنادل ... وكأنَّما هي في القلوب كواكب
وقال أبو الفتح البستي:
ما أُنس ظمآن بعذبٍ باردِ ... من بعد طول العهد بالمواردِ
إلاَّ كأُنسي بكتاب واردِ ... من سيّدٍ محض النجار ماجدِ كأنَّما اسْتملاه من عُطاردِ
وقال البحتري:
أما مسامعنا الظّماء فإنَّها ... تُروى بماءِ كلامك الرَّقراقِ
وإذا النَّوائب أظلمت أحداثها ... لبست بوجهك أحسن الإشراقِ
الباب الثاني في
التهاني والتهادي
وما يجري مجراهما
قال أبو الطيب المتنبي:
إنَّما التهنئاتُ للأكفاءِ ... ولمن يدنّى من البُعداءِ
1 / 25
وأنا منك لا يهنّئ عضوٌ ... بالمسرَّات سائر الأعضاء
وله أيضًا:
المجد عوفي إذا عوفيتَ والكرمُ ... وزالَ عنك إلى أعدائكَ الألمُ
وما أخصُّك في بُرءٍ بتهنئةٍ ... إذا سلمتَ فكلُّ النَّاس قد سلموا
وله أيضًا:
هنيئًا لك العيد الَّذي أنت عيدهُ ... وعيدٌ لمن سمَّى وضحَّى وعيَّدا
هو الجدّ حتَّى تفضل العين أختها ... وحتَّى يكون اليوم لليوم سيّدا
وقال أبو القاسم غانم بن أبي العلاء الأصفهاني:
وردَ الكتاب بما أقرَّ الأعينا ... وشفى النّفوس فنلنَ غايات المنى
ولقاسم النَّاس المسرَّة بينهم ... قِسمًا فكانَ أجلَّهم قسمًا أنا
وقال الصنوبري:
أرى غرسًا سيثمر بعد غرسٍ ... كما قد تُثمر الطربَ المدامهْ
وما قلمٌ يجيد المشق إلاَّ ... إذا ما أُلقيت عنه القُلامهْ
وقال علي بن الرومي:
1 / 26
قدمت قدوم البدر بيت سعوده ... وأمرك عالٍ صاعدٌ كصعودهِ
وقال أيضًا: ويروى لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر
أبى دهرُنا إسعافنا في نفوسنا ... وأسعفَنا فيمن نحبُّ ونكرمُ
فقلتُ لهُ نُعماك فيهم أتمَّها ... ودعْ أمرَنا إنَّ المهمَّ المقدَّمُ
وقال أيضًا:
لم يصفِّ الدَّواءُ جسمك إلاَّ ... عن صفاءٍ كما يكونُ الصَّفاءُ
فلأعدائك البشاعة منه ... ولك النَّفع دونهم والشّفاءُ
وقال أيضًا:
بدرٌ وشمس ولدا كوكبا ... أقسمت بالله لقد أنجبا
ثلاثة تُشرق أنوارها ... لا بُدِّلت من مشرق مغربا
وقال آخر:
فألقتْ عصاها واستقرَّ بها النَّوى ... كما قرَّ عينًا بالإيابِ المسافرُ
وقال أبو إسحاق الصابئ:
أراني الله أعداءك ... في حال أضاحيكا
وله أيضًا:
ومن العجائب أنَّني هنَّأتهُ ... وأنا المهنَّأُ فيه بالنعماءِ
وقال آخر:
ما لسروري بالشّكِّ ممتزجا ... حتَّى كأنِّي أراهُ في الحلم
1 / 27